من أصعب لحظات الحياة أن يخطف منك الموت أغلى ما لديك. كيف يُمكن تضميد جرح الموت الفجائيّ لقلب والد مفجوع؟ إنها مهمة مستحيلة!
ما عاشته عائلة الموراني منذ أكثر من أسبوع مؤلم وصادم،إذ لم يكن ابنها شربل، ابن العشر سنوات، يعاني من أيّ مرض أو عارض صحيّ، ومع ذلك “خطفه الموت ع غفلة”، وخذله قلبه بطريقة مفاجئة.
كيف ينسى هذا الوالد المفجوع رحيل ابنه أمام عينيه. سقط أمامه؛ وبالرّغم من آماله في إعادة الحياة إلى جسده فإن شربل توفي في اللحظة نفسها، تاركاً أسئلة معلّقة ودموعاً لم تجفّ بسهولة.
انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدثت وفاته ضجّة كبيرة. كيف يمكن لابن العشر سنوات أن يتوقف قلبه فجأة؟ كيف يمكن لطفل لا يشكو من شيء أن يسقط على الأرض وتُسلب منه الحياة؟
تزاحمت الأسئلة من دون إبجاد جواب، وكما يقول طوني الموراني والد شربل “لا يهمّني ما يقوله الأطباء، فابني رحل ولن يعود. لكن جميع الأطباء أجمعوا على أنهم لو “كنّا معه لما كان بإمكاننا فعل شيء”، لذلك “ما يقولونه لا يهمّني حقيقة. ابني “راح وأكثر من هيك ما فيي قول شي”، يشدّد طوني.
تخونه الدموع كلّ الوقت، فليس سهلاً أن تخسر ابنك بطريقة مفاجئة. الموت المفاجئ يضاعف الألم والحسرة.
وفق والده “لم يكن يعاني من أيّ مرض، ولم يشعر يوماً بأيّ علامات أو عارض صحيّ. دخل لإحضار سترة تقيه البرد، لأنه كان من الأشخاص الذين يبردون كثيراً في فصل الشتاء؛ وما إن خرج مجدّداً حتى سقط أرضاً. رحل بلحظتها، ومع ذلك بقينا نأمل إنقاذه إلا أنه أغمض عينيه إلى الأبد وخسرناه”.
طوال الوقت يردّد والده “ما فيي قلك شي، ما فيي قلك شي”. غياب شربل موحش وموجع، يُسلم وجعه لله “إنها مشيئة الله”. يصعب عليه الحديث عن شرب.، لقد رحل وهذه الحقيقة القاسية تحرق قلب عائلته.
تزداد الوفيات الناتجة من #توقف القلب المفاجىء. لم نكن نسمع كثيراً بهذه الحالة أو ربّما لم يكن هناك من يتحدّث بشأنها، مكتفين بالقول “سكتة قلبية”. لكن الحقيقة الطبيّة كشفت عن أن ما يُسمونه سكتة قلبية ليس بمصطلح طبيّ دقيق، وأن ما يجري مع هؤلاء الشباب، الذين تتوقّف قلوبهم فجأة، هو نتيجة خلل في كهرباء القلب
لا يمكن أن نتبنّى أن ما حدث مع الطفل شربل هو نتيجة خلل في كهرباء القلب. هذا فرضية طبيّة من ضمن فرضيّات كثيرة. لكن التوعية واجب خصوصاً أنها قادرة على إنقاذ حياة كثيرين، لا يعرفون أنهم يعانون من خلل في كهرباء القلب، وبتشخيص بسيط قد ننقذ قلوبهم من الموت المفاجىء.
إنها ليست المرة الأولى التي نسمع بحالات لشباب وأطفال سقطوا أرضاً، أو ناموا ولم يستيقظوا… جميعهم لم يعانوا من أيّ عارض صحي، وجميعهم كانوا بصحة جيّدة، وجميعهم توفّوا بطريقة مفاجئة من دون أيّ عارض تحذيري.
في حديث سابق له، يشرح الاختصاصي في أمراض القلب والأوعية الدموية وكهرباء القلب في المركز الطبي للجامعة الأميركية – بيروت، ورئيس شعبة كهرباء القلب في جمعية القلب اللبنانية الدكتور مروان رفعت لـ”النهار”، أن “أسباب توقّف القلب الفجائي عند الشباب كثيرة، منها:
* اعتلال عضلة القلب الضخاميّ Hypertrophic Cardiomyopathy وهو مرض وراثيّ
* خلل تنسّج البطين الأيمن المحدث لاضطراب النظم
* متلازمة فترة QT الطويلة
* متلازمة بروغادا
* متلازمة وولف باركسون وايت
* ﺗﺴﺮّع البطين ﻋﺪﻳﺪ اﻷﺷﻜﺎل CPVT
* عيوب خلقيّة للشرايين التاجية
* العامل الوراثي
* العيوب الخلقيه للقلب.
تُصيب هذه المشكلة فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم ما بين 12- 35 عاماً حين يكون سبب الوفاة ناجماً من خلل في كهرباء القلب، ومن عدم انتظام دقاته.
يُميّز الاختصاصي في أمراض القلب والأوعية وكهرباء القلب الدكتور مروان رفعت بين الجلطة، وهي كناية عن انسداد في شرايين القلب، وبين خلل كهرباء القلب. لذلك تكمن أهمية تشخيص الحالة وعدم إهمال أيّ عارض، لا سيما أن العارض الأول قد يكون الأخير، ومن أهمّ هذه الأعراض:
– الإغماء
– الدوخة
– التسارع في دقات القلب
– الغثيان
– الألم في الصدر.
“رسالتنا اليوم” وفق رفعت “ليس فقط زيادة التوعية حول مشكلة كهرباء القلب، وإنّما الحضّ على أهمية توفير #جهاز مزيل الرجفان القلبي ّ AED في الأماكن العامة والجامعات والنوادي الرياضية لإنقاذ أرواح الشباب الذين يواجهون توقف القلب المفاجىء. ومن المهم الإشارة إلى أنه يُمكن لأيّ شخص استخدام هذا الجهاز إذا تمّ تدريبه عليه.
كيف يمكن علاج كهرباء القلب؟
يشدّد الدكتور رفعت على “أهمية الكشف المبكر، والتأكد من التاريخ العائلي للشخص، وإجراء الفحص السريريّ وفحص القلب وتخطيطه كهربائياً، وعلى أساسها تشخّص حالة المريض، وبالتالي يُحدّد نوع العلاج”.
أما بالنسبة إلى العلاجات فيمكن تقسيمها وفق الآتي:
* أدوية دقّات تنظيم القلب
* زرع جهاز لتفادي خطر الوفاة المفاجئة
* الكيّ: وهنا يتمّ إدخال قثطار (قسطر) لتحديد موقع الاعتلال وكيّه.
النهار