كتبت جنى الدهيبي في “المدن” تحت عنوان “اللبناني أدهم السيد من الصين: وزير الصحة مخطئ”: “منذ أن انتشر فيروس “كورونا” في مدينة ووهان الصينية، سادت حالة هلع عالمية من “مرض العصر”، المعدي، والذي ينتشر كوباءٍ قاتل. ولبنان الغارق بأزماته، سجّل يوم الجمعة الفائت أول إصابة مؤكدة بهذا الفيروس، لسيدة لبنانية قادمة من إيران، ليكون ثالث دولة عربية تعلن تسجيل إصابات بكورونا بعد الإمارات ومصر. واللبنانيون الذين لم يكن ينقصهم أزمة جديدة تُضاف إلى لائحة مصائبهم الكارثية، دعاهم وزير الصحة حمد حسن من مستشفى رفيق الحريري في بيروت أن “لا داعي للهلع والإجراءات التي نتخذها للوقاية كافية”.
هكذا بكلّ بساطة، تطلب السلطة ووزير صحتها من اللبنانيين “عدم الهلع”، بينما لم يتخذ الوزير حمد أيّ إجراء صارم ومشروع، على غرار الصين وكلّ الدول التي انتقلت إليها عدوى كورونا. وبينما كان أقلّ الواجب، هو، إجراء فحوصات لجميع ركاب الطائرة الإيرانية، اعتبر وزيرنا أنّ هذا الإجراء ليس مطلوبًا، “داعياً من يشعر بأي عوارض إلى الاتصال لإجراء الفحوصات”، وكأنّه لا يعرف أنّ العوارض قد لا يتظهر قبل 14 يومًا يستمر فيها بنشر العدوى!
وواقع الحال، أنّ كلّ تجارب الدول التي تفشتْ فيها كورونا، بدءًا من الصين، تثبت أنّ السماح للوافدين على الطائرة الإيرانية بالذهاب إلى منازلهم في لبنان، من دون إجراء الفحوصات اللازمة، وأن اكتفاء السلطات الإيرانية بالفحص الحراري للسيدة، وعدم استدعاء الجهات المسؤولة في لبنان لركاب الطائرة، لإجراء الفحوصات اللازمة لهم، وعزلهم إذا احتاج الأمر، هي كلّها تصرفات لا تنمّ عن أدنى الحسّ بالمسؤولية تجاه اللبنانيين، الذين أصابهم الهلع لدرجة نفاد الكمامات من الصيدلات.
طالب في الصين
منذ أن ظهر فيروس كورونا في كانون الأول 2019، في مدينة ووهان وسط الصين المأهولة، تحوّل اللبناني أدهم السيد الذي يقيم في هذه المدينة بالذات، إلى مصدرٍ مهم للمعلومات، وأجرى ما يتجاوز المئة مقابلة إعلامية لمختلف الوسائل العربية والعالمية. وأدهم البالغ 32 عامًا، هو من مدينة برجا اللبنانية، يقيم في ووهان ويكمل دراساته العليا لإنجاز أطروحة الدكتوراه، وكان الطالب اللبناني الوحيد الذي تجرأ بالظهور على الإعلام، والكشف عن هويته للحديث عن المخاطر التي تواجه أبناء هذه المدينة المعزولة وكلّ المقيمين في داخلها.
يدرس أدهم في جامعة “وسط الصين للعلوم والتكونولوجيا” HUST، بعد أن نجح في العام 2015 بالحصول على منحة لإكمال دراسة الماجستير في ووهان، وفي العام 2017 حصل على منحة أخرى لإكمال الدكتوراه في جامعته الحالية HUST. ومن يتابع أدهم، في مقابلاته اليومية وعبر الفيديوهات التي ينشرها على صفحته بالفايسبوك، وأيضًا عبر عرضه للداتا وكلّ البيانات المتعلقة بخريطة الإصابات في الصين وخارجها، يعرف أنّ هذا الشاب اللبناني، تعاطى بمسؤولية كبيرة تجاه الفيروس، رغم عدم إصابته به، ولم يعد إلى لبنان حمايةً لنفسه وللآخرين. ومنذ تاريخ 23 كانون الثاني الفائت، لا يزال محجورًا في منزله في ووهان المعزولة بشكل تام، وهي جزء من مقاطعة يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة، يخضعون جميعهم للحجر الصحي أيضًا.
خطأ الوزير؟!
وفي حديث لـ”المدن”، يشير أدهم أنّ كل شيء متوفر في ووهان رغم أنّها معزولة ومغلقة، وكل خطوط النقل المشترك عاطلة عن العمل. وبعد أن كان يسمح لهم بالتنقل سيرًا، أصبحوا معزولين في بيوتهم أيضًا، ويصلهم كل ما يحتاجون إليه، إلى حين التأكد من القضاء على المرض بشكلٍ كلي. فـ”هذه الإجراءات المشددة هي لصالحنا، ولو لم تتعامل الصين بمسؤولية كبيرة تجاه أزماتها، كان عدد الوفيات تضاعف وكان المرض انتشر بشكلٍ أكبر”.
يتابع أدهم بعناية شديدة انتقال عدوى كورونا إلى لبنان، ويشعر بغضبٍ كبير تجاه تعاطي السلطات اللبنانية مع هذا المرض، ويصف مؤتمر وزير الصحة بأنه “ليس أبدًا على قدر عالٍ من المسؤولية”.
يقول: “تصرف الوزير بعدم إعطاء إجراءات وتوجيهات صارمة في المطار والمستشفيات، لم يكن مقبولًا على الإطلاق، والمشكلة الرئيسة تكمن ليس بدخول المرض إلى لبنان، وإنّما بعدم المبادرة فورًا لفحص كلّ ركاب الطائرة الـ 150، والسماح للجميع بالعودة إلى منازلهم، وكأنّ لبنان لا يملك المعطيات الكافية لآلية التصرف مع الحالات المصابة بغية الحدّ من تفشي الفيروس”.
لا ثقة..
يستغرب السيد اعتبار “الحجر الصحي” انتقاصًا من حقّ المصابين أو المشكوك بإصابتهم، بينما هذا الإجراء هو لسلامتهم وسلامة الآخرين، ويتمنى لو أنّ ركاب الطائرة يبادرون من تلقائهم لعزل أنفسهم داخل المنازل، إلى حين التأكد من عدم إصابتهم. فـ “كلّ الإجراءات في لبنان خاطئة جدًا، بدءًا من عدم إخضاع المصابة للحجر الصحي في إيران وعدم اتخاذ التدابير الوقائية في التعقيم والحماية، أو التعلّم من تجارب الآخرين في الصين وغيرها”.
يضيف: “اليوم وخلال 24 ساعة، جرى شفاء 2300 حالة مصابة في الصين، وهناك نحو 27 في المئة شفاء عاجل وتام. ومع ذلك، أقالت الصين رئيس مقاطعة ووهان وبعض المسؤولين الطبيين، واتهمتهم بالتأخر في اتخاذ الإجرات الوقائية. أمّا في لبنان، فكان الاستهتار والاستخفاف واضحين بالتعاطي مع ركاب الطائرة، منذ أن سمحوا لهم بالدخول بشكل طبيعي، فيما التأخير بأيّ إجراء يمكن أن يُحدث كارثة”.
وفي السياق، يؤكد أدهم أنّ عوارض الإصابة بكورونا هو سعال ناشف مع حرارة، وليس أيّ حالة رشح عادية، ويشير أن أخذ الاحتياط في التجمعات هو أمر ضروري جدًا، لأن لا ثقة بالسلطة اللبنانية على الإطلاق.
وأدهم الذي أصبح ضليعًا بمعرفته بكورونا، وجه عدد من التوصيات إلى اللبنانيين، داعيًا إياهم للتخفيف من الهلع والتعاطي بمسؤولية مع الانتبهاه من الشائعات. وقال: “كورونا ينتقل عبر التنفس من مسافة قريبة ولا ينتقل بالهواء. وهو لا يسبب الموت، إلا إذا كانت مناعة المصاب ضعيفة. لذا، لا بدّ من أخذ إجراءات احترازية سريعة، تبدأ بعزل كل من كان على متن الطائرة لمدة 14 يومًا، وطاقم الطائرة، وكذلك وضع كل من اتصل بركاب الطائرة وخصوصاً من تأكدت إصابته تحت المراقبة المشددة، وعدم السماح لهم بالاحتكاك بالآخرين قبل انقضاء هذه المهلة الرقابية”.
المدن