“النصف راتب” من علامات “الانهيار الكبير”.. وشبح المجاعة بالأفق

“النصف راتب” من علامات “الانهيار الكبير”.. وشبح المجاعة بالأفق

- ‎فيالمحلية

كتبت إيفون أنور صعيبي في صحيفة “نداء الوطن” تحت عنوان ” الجوع “يُرفرف” فوق رؤوس الجميع”: “القدرة الشرائية انحسرت، الطبقة الوسطى العاملة اندثرت، نسب النمو “انعصرت”… وأما المعاشات فاقتُطِعت، ولم يبقَ سوى اقتصاد منكوب يهدّد أكثر من أي وقت مضى… بالمجاعة. والمجاعة، مدخل إلى الفوضى والجريمة والانتحار والتفكك… كلّ التفكّك. فبعدما تفكّكت أَوصال الدولة، تتفكّك اليوم أوصال المجتمع بفعل بدء إقفال بعض المؤسسات التربوية والصحية أبوابها، وهي التي تُعتبر الأساس في المجتمعات السليمة.

إلى أين إذاً ستتّجه الأمور اذا ما استمرّ الدّخل بالتضاؤل، والذي يُترجم حصراً بتباطؤ الحركة الاقتصادية، ما يعني مداخيل أقلّ للدولة لعدم تمكّن الناس من تسديد ضرائبهم، وتالياً خدمات أقلّ جودة للمواطنين والمزيد من الانكشاف الذي يولّد انفجاراً اجتماعياً! وهل يُنذر ما يحصل بالاقتراب من مرحلة عصيان مدني مفتوح على مِصراعَيه؟ وكيف يمكن لمن لم يتحمّل ضريبة 6 دولارات على الواتساب أن يعتاش بنصف راتب في ظلّ غلاء الأسعار؟

في الواقع، لا يمكن تفسير ما يحصل إلا في إطار توقّع المزيد من الازمات الاجتماعية وحتى الاقتصادية التي سترتدّ مباشرة على المصارف، باعتبار ان للجميع استحقاقات وسندات شهرية لهذه المؤسسات المالية. يترافق ذلك مع انهيار كلّي لنظام شبكة الأمان الاجتماعي المُهترئ أصلاً في ظلّ غياب كامل للبرامج الاقتصادية والاجتماعية.

في هذه الدوّامة يبقى “الموجوع”، الذي لا يعرف الصمت غاضباً، من دون أن تكون هناك حدود لسخطه وغضبه…

من أرض الواقع

أكرم نعمه على سبيل المثال، صاحب مؤسسة صغيرة الحجم يوضح في اتصال مع “نداء الوطن”: “حتى بضعة أشهر كنت لا أزال أعمل في مؤسستي. وعلى غرار الكثير من اللبنانيين، لديّ قروض من المصارف، قرض للإسكان، وقرض للسيارة، وقروض استهلاكية مختلفة. كنت أجني من مؤسستي حوالى 7000 دولار شهرياً، أتمكّن بواسطتها من دفْع ما عليّ من مستحقّات وإعالة عائلتي. اليوم ما عُدت قادراً على الاستمرار في هكذا أوضاع. فمع انحسار القدرة الشرائية، وعزوف الناس عن الشراء، تستمر المصارف بالمطالبة بالسندات الشهرية وهي في الوقت عينه تُقيّد سحوبات العملاء. أظنّ أن المصارف تفتح أبوابها في ظل الأوضاع النقدية القاتمة لخدمة مصالحها فقط. فلماذا، ومثلما عمد حاكم البنك المركزي الى ابتداع هندسات مالية لكبار المافيات، لا يعمل بالمثل لإنقاذ الأشخاص المتعثّرين لا سيما وأن الطبقة العاملة الوسطى الى اندثار(بحسب ماكينزي)”.من جهتها، تروي نادين، وهي أم لولدين وأرملة تعمل سكرتيرة في إحدى الجمعيات الخيرية، مأساتها فتقول: “كنت قبل الأزمة النقدية أتقاضى راتباً شهرياً بحدود المليون و200 ألف ليرة. لكني ومنذ شهرين أصبحت أتقاضى نصف راتب فقط. فالجمعية أوقفت كلّ النشاطات التي كانت تؤمّن لها مدخولاً ثابتاً كما أن موازنة العام 2018 قد خفّضت نسب المساعدات الى الجمعيات الخيرية من وزارة الشؤون الاجتماعية. أنا أتفهّم قرار القيّمين على الجمعية التي عليها أن ترعى أكثر من 700 مريض وتؤمّن لهم علاجاتهم ولكن في الوقت عينه أجد نفسي عاجزة عن تأمين كل احتياجات المنزل. هذا الشهر لن أتمكّن من إيفاء الدفعة المستحقة للمصرف بدل القرض الشخصي الذي كنت قد اقترضته منذ نحو عامين. وبين دفع مستحقاتي أو تأمين طعام لولديّ أنا أختار الاحتمال الثاني”.