“صباح الخير، صباح الثورة، أنا كليم فهد نعامه، أخذت سمّاً وقررت إنهاء حياتي في الكنيسة، كوني رجلاً مؤمناً، ولم يعد باستطاعتي إكمال حياتي وتأمين معيشة جيدة لأولادي بالحلال، أطلب من رئيس الجمهورية أن يتكفل بهم بعد موتي، كما أطلب من المطران عبد الساتر أن يتكفل بعلم ابنتي في جامعة الحكمة، ومن مدرسة الوردية التي تربيت فيها وتخرجت منها أن يكملوا علم أولادي، وأطلب من جميع أصدقائي مشاركة الفيديو وأن يسامحوني على كل خطأ ارتكبته بحقهم وشكراً”… كلمات قالها كليم في مقطع فيديو التقطه قبل أن ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ليطرح روادها علامات استفهام عن حالته ووضعه الصحي وسط سخط كبير على الدولة والأزمة الاقتصادية التي دفعت بعدد من اللبنانيين إلى الإقدام على هكذا خطوة بعدما تعبوا من إكمال مشوار حياتهم نتيجة الظروف المادية الصعبة التي يمرون بها.
الثلاثاء نفّذ كليم (ابن بلدة قب الياس) أصعب قرار قد يتخذه إنسان، ألا وهو خطُّ السطر الأخير من حياته بطريقة مأسوية، لكن الله لطف به، بعد أن سارعت ابنته كايت بنقله إلى مستشفى “بيل فيو” حين وصلها مقطع الفيديو، وكما قالت “وضعه الصحي جيد، نحمد الله أنه بخير، لا أعلم نوع السمّ الذي تجرعه، والمهم أنه بيننا الآن”. وعن الظروف الاقتصادية التي دفعت والدها إلى تفضيل الموت على الحياة، أجابت: “والدي يمتلك معرضاً للسيارات، وكما جميع اللبنانيين يمر بضائقة مالية نتيجة توقف الأعمال، وطبعاً يطمح كما كل أب أن يؤمّن حياة كريمة لعائلته المؤلفة مني ومن شقيقي”.
ما أقدم عليه كليم ذكّر بحادثة موت جورج زريق الذي أحرق نفسه لعدم تمكنه من دفع أقساط مدرسة ابنته؛ وبرحيل ناجي الفليطي الذي كما قال قريبه حينها مختار عرسال يونس الفليطي، كان يمر بأوضاع اقتصادية صعبة، لا سيما بعد توقفه عن العمل في منشرة الحجر مصدر رزقه، وهو المسؤول عن زوجتين، إحداهما مريضة، بحث كثيراً عن فرصة للحصول على رزق ليؤمّن قوت عائلته من دون أن يجد. لجأ إلى الاستدانة من أجل شراء طعام حتى طفح كيله من هذه الحياة، واتخذ قرار الرحيل من خلال شنق نفسه”، وكذلك بإطلاق داني أبو حيدر النار على نفسه بعدما ضاقت أمامه سُبل العيش وخفضت الشركة التي يعمل فيها راتبه، وهو الذي انهكته الديون، لينضم إلى لائحة الأشخاص الذين قرروا وضع حد لحياتهم بعدما عاشوا وجع القهر والدين والعوز، وغيرهم العديد من الذين فضلوا الموت على الحياة في ظروف ضاغطة أساسها الفقر والحرمان.
الانتحار كما عرّفته اختصاصية علم النفس هيفاء السيد: “هو إقدام الإنسان بشكل متعمد ومخطط لإنهاء حياته نتيجة عدم رضاه عنها، حيث يسبق إقدامَه على هذه الخطوة تشوشُ أفكاره وألم غير محتمل مقترن بسيكولوجية غير مشبعة ولا تجد سبيلاً لإشباعها، من هنا تسيطر الرغبة في قتل الذات للهروب إلى عالم آخر يعتقده أفضل وأكثر جاذبية من حياة تعسة”.
تعددت العوامل التي تدفع بالإنسان الى الإقدام على الانتحار بحسب السيد، لكن أهمها “الانطواء، عدم القدرة على التعبير عن المشاعر نتيجة غياب الدور الأُسري وتحقيق إشباع الحاجات النفسية التي هي ضرورية لكل فرد منا، إضافة الى غياب الدعم الاجتماعي، والمرور بفترة المراهقة التي تعتبر من الفترات الحرجة لما يمر به الفرد من تغيرات جسدية وعقلية مع انعدام التوازن النسبي للأمور والاستقرار العاطفي والنظرة الموضوعية للأشياء والتوافق مع المحيط، كما قد تقف البطالة والاوضاع الاقتصادية المتدهورة والإدمان على المخدرات وراء انتحار البعض”، وأضافت: “فالانتحار يعود الى معاناة الفرد من الاحباطات النفسية والضغوط المتراكمة وغياب تأمين سبل العيش الكريم، كما قد يعود الى تركيز الفرد على التفاصيل السلبية والتضخيم في تقييم أية مشكلة تواجهه أو أي معوقات وصعوبات تعترضه، ما يترك أثرها على المزاج والسلوك بفقده الثقة على قدرته على حلول المشكلات، وتكون حازفاً على سيطرة نظرة اليأس والتشاؤم ترافقها صورة الذات المتدنية التي تجعله يشعر بخيبة الامل والحزن والتشاؤم والعجز وضعف الايمان وبأن الحياة لا تساوي شيئاً، وعلى أساس هذه النظرة الدونية يلوم الفرد نفسه، لذلك من الضروري استدعاء الأُسر وتوجيههم ليكونوا مصدر دعم ومساندة للشخص المعرض للانتحار، إضافة إلى ضرورة لجوء الشخص الى العلاج السلوكي المعرفي لإزالة الضغوطات النفسية، والعلاج النفسي الفردي والجماعي، وممارسة الهوايات التي تجعله يشعر بالمتعة”.
النهار