شكوك كثيرة أحاطت بالتقييم الدوري الذي تجريه وكالة «أونروا» لتجديد عقود المعلمين الذين تتعاقد معهم. الوكالة لم تعتمد علامة الامتحان الخطي، كما يُفترض، معياراً أساسياً لاختيار الفائزين في التقييم الدوري، ففتحت الباب أمام المحسوبيات والتلاعب بعدما قررت أن مقابلة من خمس دقائق تحسم النتيجة النهائية.
التجربة نفسها تتكرر كل عامين عندما يخضع المعلمون المثبتون والمتعاقدون اليوميون في مدارس وكالة الأمم المتحدة للغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لتقييم يحدد استمرارهم مع الوكالة أو الاستغناء عن خدماتهم. التقييم الدوري ينقسم إلى امتحان خطي ومقابلة شفهية ويحصل، بحسب مصادر المعلمين، وسط إضاعة المعايير لاحتساب علامة النجاح واختيار الفائزين. «دوامة» الاختبار التي تهدف إلى تجديد عقود المعلمين وليس تثبيتهم باتت بالنسبة إليهم آلية عقيمة تهدد استقرارهم الوظيفي ولا ترفع من مستوى التعليم في مدارس الوكالة.
هذا العام، لم يكن الاختبار الخطي، الذي يحدد عادة المستوى الأكاديمي والتخصصي لحاملي الإجازات الجامعية، المعيار الحاسم في احتساب العلامة، أو هذا على الأقل ما فهمه المعلمون القلقون على وظيفتهم من رسالة أرسلها أحد الموظفين المعنيين لبعض الممتحنين حين قال إن «المقابلة هي المفصل وأن الامتحان هو وسيلة للوصول إلى المقابلة، على أن يتم اللجوء إلى معايير أخرى في حال كانت علامة المقابلة متساوية».
النتائج لم تصدر بعد، لكن الوقائع المتتالية منذ إجراء الامتحان الخطي كانت كافية لزرع الشكوك لدى المعلمين لجهة فتح التقييم على لعبة المحسوبيات، وفق ما أفادت إحدى المعلمات، إذ أن عدد الفائزين في الامتحان الخطي الذين اتصلت بهم دائرة التعليم للمشاركة في المقابلة الشفهية كان في البداية 20 معلماً فقط في كل مادة وتبعاً للمحافظة. «إلا أن تدخلات بعض الأحزاب اللبنانية (باعتبار أن 30 في المئة من التوظيف في الأونروا يذهب إلى اللبنانيين)، والفصائل الفلسطينية واتحاد الموظفين فرضت أن يسمح بالمشاركة في المقابلة لكل من نال علامة 50 من 100 وما فوق. علماً بأن الوكالة أبلغت هؤلاء في وقت سابق أنهم غير مؤهلين للخضوع للمقابلة». وبحسب المعلمة، تمارس إدارة الوكالة ترهيباً ضد المعلمين كي لا يخرجوا تفاصيل ما يحصل للعلن، علماً بأن المسألة ليست فردية والمتضررين كثر.
بحسب مصادر الممتحنين، نسفت إدارة الوكالة كل المعايير خارج المقابلة، فلا اعتبار للشهادة ولا للخبرة لسنوات طويلة في مدارس خاصة ورسمية وفي مدارس الوكالة نفسها، ولا مراعاة لامتلاك القدرة على ضبط الصف ولا للدورات والتدريب المستمر الذي يخضع له المعلمون أثناء التعليم. «وحدها مصيدة الدقائق الخمس ستقرر مصيرهم وتفقدهم أمانهم الوظيفي في ظل الضائقة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، علماً بأن غرفة المقابلة غير مجهزة بالوسائل المناسبة، واللجنة غير جديرة بالتقييم». المفارقة، بحسب المصادر، أن الوكالة تراعي الامتحان الخطي في إعطاء المنح ما يطرح علامات استفهام بشأن الكيل بمكيالين.
ووفق المصادر، قد يحالف الحظ أستاذاً خضع لتدريب بسيط على «مسرحية» المقابلة من التدريبات التي تجريها الأحزاب عشية الاستحقاق ويخيب أمل آخرين اختبروا لسنوات كل أنواع التعليم لمجرد حدوث أمر خلال المقابلة يكون خارجاً عن ارادتهم. و«اللافت أنه لا يتم إبلاغ المعلم بعلامته في الامتحان الخطي ما يفتح الباب على كثير من التلاعب والسمسرة».
ما يثير ريبة المعلمين هو أن هذا «الخرق» التربوي الفاضح يعني لبنان فقط دون بقية الأقطار الأربعة الأخرى حيث تعمل الوكالة (غزة والضفة الغربية وسوريا والأردن). «فهناك تخصص 60 في المئة من العلامة للامتحان الخطي و40 في المئة للمقابلة». بعض المتضررين قالوا أنهم سيعترضون لدى السفارات والدولة المانحة ويطالبون بمقابلات من متخصصين تربويين في الأردن.
عضو اللجنة القطاعية لاتحاد المعلمين الفلسطينيين، ماهر طوية، قال إن «الاتحاد فوجئ بإغفال الامتحان الخطي واقتصار التقييم على المقابلة، وهذا معيار مرفوض بالنسبة إلينا وسيكون على طاولة اجتماعاتنا المقبلة، لكننا لم نفتح حرباً فوراً لكوننا علمنا بالأمر في وقت متأخر ولو اعترضنا كنا سنؤخر الامتحانات، نظراً للبيروقراطية الموجودة في معاملات الوكالة، ما سيؤدي إلى إرباك في العام الدراسي المقبل نتيجة النقص في أعداد المعلمين».
وعن استدعاء جميع الناجحين وليس فقط العشرين الأوائل، قال إن هذا «مطلب الاتحاد تحقيقاً للعدالة بين المرشحين، إذ قد يصادف مثلاً حلول أحد المرشحين في المرتبة الـ23 في إحدى المواد في إحدى المحافظات وعلاماته أعلى من مرشح آخر حلّ في المرتبة 18 في المادة نفسها في محافظة أخرى». وعما إذا كان هناك عن تدخل حزبي في هذا الإطار، نفى طوية أي تدخلات من أي نوع «فالاعتبار كان نقابياً بحتاً». وأوضح أن أي مرشح يستطيع أن يطلب علامته في الامتحان الخطي، مشيراً إلى أن الوكالة لا تنشر النتائج حفاظاً على خصوصية الممتحنين ومنعاً لأي تمييز قد يحدث بينهم.
مصدر في اتحاد موظفي الأونروا وعضو في اللائحة المعارضة لاتحاد المعلمين أكد «أننا تبنَّينا قضية الممتحنين لجهة أهمية احتساب الامتحان الخطي، ورفعنا رسالة إلى المفوض العام للأونروا نطالب فيها برفع الظلم عنهم وعدم تمييع الشفافية، وأن يكون هناك حد أدنى من المعيارية كما كان يحدث سابقاً، وقد وعدنا بتشكيل لجنة تحقيق تدرس الحالات بشكل فردي، وننتظر الإيفاء بهذا الوعد كي لا تحدث سابقة خطيرة تضرب صدقية إدارة الوكالة». وانتقد «الالتفاف على القوانين، لاسيما لجهة إخفاء علامة الامتحان كأنها سر من أسرار الآلهة».
وتحت عنوان «كيف ننهي مهزلة التعيينات؟»، دعا الرئيس السابق لاتحاد موظفي الأونروا أحمد أبو ودو إلى أن يكون الاختبار الخطي مقياساً حاسماً بحيث تحتسب العلامة بنسبة 60 في المئة، واعتماد معدل العلامات لحملة الشهادات الجامعية كمعيار آخر بحيث يدعى إلى المقابلات ذوو المعدلات الأعلى والمتفوقون منهم، وأن تتشكل لجنة المقابلة من كفاءات متخصصة وبعيدة عن الشبهة ومدربة ومختبرة في مجال إجراء المقابلات، وأن تعطى لحملة الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه مزايا وأفضلية ودرجات إضافية تحتسب في التقييم النهائي، وأن تكون نتائج الاختبارات علنية ولوائح التعيينات دائمة ويتم تجديدها بعد تعيين جميع الناجحين والمسجلين عليها.
«الأخبار» تواصلت مع إدارة الوكالة عبر مكتبها الإعلامي وأرسلت إليه أسئلة المرشحين من دون أن تلقى جواباً لا سيما لجهة غياب المعايير والأعداد المطلوبة، وعن حقيقة خفض المعدل إرضاء للمحسوبيات وأسباب عدم كشف علامات الامتحان الخطي وتغييب الوسائل في غرفة المقابلات.
المصدر| فاتن الحاج – الأخبار