بِصَمت، يكافح «الجسم الصيدلاني» للبقاء على قيد الحياة في وجه كلّ التحديات الراهنة، لكنّ المهدئات والمسكّنات والأدوية داخل الصيدليات لم تعد كافية لتضميد جروحه وشفائه. وعليه، يستعدّ الجسم الصيدلاني للالتحاق بالقطاعات الاخرى التي تعاني وتتّجه الى الاقفال، خصوصاً بعد أن أقفلت 200 صيدلية نهائياً وستنضمّ إليها نحو 800 صيدلية كمرحلة أولى، فهل نشهد إضراباً تحذيرياً للصيادلة الإثنين؟
يبدو أنّ التفلّت طرقَ باب «الدواء» في لبنان الذي بات أمام معضلتين: الأولى: فقدان الأدوية المزمنة من الأسواق، والثانية إقفال الصيدليات.
فمع استفحال أزمة الدولار، بات على مستوردي الأدوية أن يتّبعوا آلية جديدة للاستيراد من الخارج بدعم مصرف لبنان الذي يغطّي 85 % من ثمن الاستيراد بالسعر الرسمي. لكنّ المعلومات تشير الى أنّ عقبات عدة تشوب إنجاز العملية، منها فتح الإعتماد للمستورد الذي لا يتم إلّا بعد نحو شهر وأكثر على تقديمه الطلب، لأنّ إنجاز هذه العملية يتطلّب من المستورد تقديم طلب الى البنك لينقل بدوره الطلب الى مصرف لبنان، الذي يوافق عليه ويعيده الى البنك ليفتح الاعتماد للمستورد. هذا التأخير في الداخل يرتّب تأخيراً خارجياً نظراً الى أنّ معامل الأدوية تكون قد قامت بجدولة طلباتها أو بإعادة جدولتها، وترسلها الى بلدان أخرى ما يرتّب تأخيراً آخر. وهذا التأخير ينعكس انقطاعاً للدواء لمدّة تتراوح بين أسبوع و20 يوماً.
سوق سوداء للدواء؟
مشكلة أخرى، تتسبّب بانقطاع الأدوية من السوق، وخصوصاً المزمنة منها، وهي تهريب الأدوية عبر الحدود اللبنانية، كما يحصل مع معظم السلع التي تدعمها الدولة اللبنانية، وهذا ما أعلنه صراحة أمس رئيس لجنة الصحة النائب عاصم عراجي، عقب اجتماع لجنة الصحّة النيابية، حيث أكّد: «ما يحصل هو انّ بعض الادوية مقطوعة، وقد وعدنا بأنّ التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة سيراقب ما اذا كانت الكمية كاملة تدخل الى لبنان او يدخل جزء منها والجزء الآخر يذهب الى الخارج؟ وهل تم بيعها في الداخل او هرّبت الى بلدان أخرى؟».
ويوضح عراجي لـ»الجمهورية» انّه منذ نحو أسبوعين فُقِدت أدوية مهمّة من السوق، وخصوصاً أدوية القلب، وكذلك فقدت بدائلها، على رغم من وعود المستوردين والمصنّعين بأنّها ستعود الى الأسواق، الّا أنّها حتى اليوم (أمس) ما زالت مفقودة».
ويتخوّف عراجي من إقدام بعض الجهات على «شراء الدواء الذي يتم استيراده بسعر 1517 للدولار وبكميّات كبيرة، ثم يُصدّر الى الخارج، أو يتمّ إخفاؤه في مكان ما ليُعاد بَيعه في السوق السوداء لاحقاً. لذلك، سنتابع الموضوع مع المعنيين الأسبوع المقبل، منعاً لتفاقم الأزمة أكثر، على أن يتحرّك التفتيش الصيدلي ليُحدد المشكلة ومَن وراءها».
ثلث الصيدليات الى الإقفال
كعادتها، لا تضع الدولة حلّاً لأزمة المواطن الّا من جيبه الخاص، وهذا ما حصل تحديداً مع «حلول» وزراء الصّحة المتعاقبين لخفض أسعار الدواء تباعاً، فسجّلوا نقاطهم السياسية من ملعب جعالة أصحاب الصيدليات (مواطنين)، وعلى حساب أرباحهم، بدلاً من إيجاد حلول أكثر استدامة.
وفي هذا الإطار يؤكّد نقيب الصيادلة الدكتور غسان الأمين لـ»الجمهورية» أنّ «200 صيدلية أقفلت أبوابها وهناك 800 قيد الإقفال من أصل 3000 صيدلية في لبنان، والحبل على الجرّار خصوصاً أنّ الأمور مرهونة بتدهور العملة الوطنية والوضع الإقتصادي». ويلفت الى أنّ «ما قام به وزراء الصحّة المتعاقبون من خفض لأسعار الدواء بنحو عشوائي وغير مدروس، ومن دون إيجاد بديل أو تغيير في السياسة الدوائية في لبنان التي تعتمد على استيراد الأدوية المرتفعة الثمن على رغم من وجود بديل لها بأسعار أرخص من المصدر نفسه، أي من الدول الأوروبية ومن أميركا، أوصَل الصيدليات الى الإقفال».
وفي حين يأسف لعدم لجوء الدولة الى تشجيع أدوية «الجنيريك»، يرى الأمين أنّ هذه الأدوية هي الحلّ الأفضل للمريض وللصيدلي على حدّ سواء». ويوضح: «الحلّ هو بزيادة الجعالة على أدوية «الجنيريك»، ليقوم الصيدلي بدوره بإعطاء الدواء الأرخص بدلاً من الأغلى للمريض، ويأخذ تالياً أتعابه كما يحصل في سائر الدول، فنكون بذلك قد أمّنّا أتعاباً للصيدلي ووفّرنا على جيب المواطن الذي سيتناول دواء بالمواصفات نفسها وبسعر أقل».
وفي سياق الحلول الممكنة، يلفت الأمين الى أنّ «لجنة من النقابة ومن وزارة الصحّة ستشكّل لمتابعة ملف الصيادلة، خصوصاً أنّ وزير الصحة حسن حمد وعد بتطبيق القوانين المرعية الإجراء لناحية إعادة الأدوية التي تُباع خارج نطاق الصيدلية الى الصيادلة، ما يؤمّن دخلاً معيّناً للصيادلة أيضاً».
كلّ هذه الخطوات لم تقنع عدداً كبيراً من أصحاب الصيدليات الذين بدأوا يطالبون النقيب بتحرّكات أوسع وأشمل. وتشير المعلومات إلى أنّ عدداً منهم يحضّر لإضراب تحذيري الإثنين المقبل.
الجمهورية