حلّ عيد الاضحى المبارك حزيناً على ابناء صيدا كما مختلف المناطق اللبنانية، بعدما تفاقمت الازمات المعيشية والخدماتية في الانهيار الى حد ّغير مسبوق، فتكرّر مشهد البحث عن الادوية في الصيدليات، والوقوف في طوابير طويلة وبالساعات عند محطات الوقود، وفرض شحّ المازوت العتمة على الكثير من المناطق والمنازل بعد اطفاء مولدات الاشتراكات الخاصة، فيما حلّقت اسعار المواد الغذائية واللحوم عالياً لتحرم الكثير من طقوس الاحتفال بالعيد في الشواء وشراء الحلويات، استعاض البعض بالتمر او تقديم القهوة.
داخل احد المحال التجارية، وقف صبي يرجو والده، “بابا شتريلي ياه بأكل منّو بس مرّة باليوم”، وهو يتطلّع الى كيس حليب مجفّف كامل الدسم، منذ أشهر لم يذق طعمه، اعتصر قلب الوالد حزناً ولم يتردّد في تلبية الطلب، أنفق كل ما في جيبه بعدما دفع نحو 295 الف ليرة لبنانية. حادثة نشرها احد الناشطين الصيداويين على مواقع التواصل الاجتماعي، ففتحت الباب امام الكثير من الحكايات الحزينة المماثلة في العيد، فهذا رجل ستيني بحث عبثاً بين الصيدليات عن دواء السكري والضغط ولم يجده، ذرفت عيناه الدموع ثم قفل عائداً من حيث أتى، شاكياً الى الله وحده أمره، وتلك ربّة عائلة متعفّفة أقسمت بأنّ اللحوم لم تدخل الى بيتها حتى في العيد، بعدما بلغ الكيلو الواحد نحو 175 الف ليرة، وكذلك الحلويات التي حلقت في سماء الغلاء بلا رادع.
هذه الحكايات الممزوجة بالحرمان، عبّر عنها مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان الذي اطلق صرخة مدوية في وجه “الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد وأوصلوا الوطن والمواطن الى هذه الحالة التي نعيشها ولم يلتزموا بالمبادئ والمواثيق والدستور واتفاق الطائف والميثاق الوطني”، قائلاً: “ضربوا بعرض الحائط مصالح العباد والبلاد واستبدلوها بالمناكفات العبثية والحقد الطائفي والتخوين والتحريض، حتى بات المواطن اللبناني بكل اطيافه يعيش بفضل سوء ادارتهم كل يوم أزمات متجدّدة، ازمة في الكهرباء والماء بالرغم من تبديد المليارات عليهما ولا يحصل المواطن إلا على الظلام الدامس وسوء الخدمات المائية والهاتفية، ثم معاناة على أبواب المستشفيات وفقدان الأدوية بالصيدليات، فضلاً عن حليب الأطفال، ثم ماذا عن البنزين وطابوره والمازوت والموتورات والتسعيرات والاحتكارات، وأزمة فقدان القيمة الشرائية للرواتب التي لا تستطيع أن تؤمّن النذر اليسير من ضروريات الحياة، اضافة إلى حجز الودائع المالية في البنوك ومع البيانات التي تحتاج الى اخصائيين لفهمها، المتناقضة في بعض الاحيان، من اجل ان تأخذ حقك مما ادخرته وتعبت من اجله”.
والازمات لم تغب عن احاديث الناس، تردّد صداها في الاحياء والحارات وجعاً لا ينتهي، ويؤكد مختار “حي السبيل” نادر جميل البيلاني لـ”نداء الوطن” أنّ الناس “فقدت الأمل بكل المعالجات، الوعود تكرّرت والاوضاع نحو الاسوأ”، مضيفاً: “هؤلاء لا ينتظرون المسؤولين ولا تشكيل حكومة لوضع حدّ للانهيار، وانما ينتظرون الفرج من رب العالمين والتغيير بدءاً من النفس”، مضيفاً “للاسف، ان الازمات كشفت فقدان الانسانية عند الكثير، ويتعاملون مع الآخرين بلا رحمة او شفقة وكتجارة بهدف الربح حتى الدواء والمرض والاوجاع”، متسائلاً: “كيف ستفرح الناس بالعيد وقد فقدت البهجة والفرح في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية، الغلاء وفقدان البنزين والمازوت وانقطاع الاشتراكات وارتفاع الاسعار والغلاء، لقد فقدوا الامل، البعض هاجر والبعض الآخر يستعدّ والثالث الباقي بدأ يفكّر، خاصة وأن مصير أبنائهم بات مجهولاً، فلا كهرباء ولا اشتراك ولا نت وبالتالي غياب التعليم، يعني البلد الى الجهل أيضاً”.
ومشهدية صيدا دفعت قوى وفاعليات المدينة، اضافة الى المخاوف من تفشّي جائحة “كورونا” بسلالته الهندية المتحورة “دلتا”، الى الاعتذار عن عدم تقبّل التهاني كما جرت العادة في الاعياد، اقتصر العيد على الصلاة وزيارة المقابر وأضرحة الشهداء وتبادل التهانئ عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما دفع تردّي الاوضاع المعيشية بعدد من الناشطين وأبناء صيدا القديمة الى اقفال الطريق البحري بالاطارات المشتعلة احتجاجاً على الانقطاع بالتيار الكهربائي بعد تقنين الاشتراكات الخاصة بسبب نفاد المازوت.
توازياً، عمد مواطنون غاضبون الى قطع الطريق عند تقاطع اشارة “سبينس” وتجمّعوا وسط الطريق احتجاجاً على فقدان مادة المازوت واطفاء عدد كبير من المولدات التي تغذّي الاحياء السكنية في المدينة، خصوصاً في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتعطل اشغال المواطنين، وتسبّب ذلك بزحمة سير خانقة في المكان، فيما وقع اشكال عند احدى محطات الوقود على البولفار البحري شمالي المدينة على خلفية التزاحم على تعبئة مادة البنزين، ما لبث ان تطور الى اطلاق نار في الهواء، وعلى الأثر توقفت المحطة المذكورة عن تزويد السيارات بالبنزين.
نداء الوطن