ينذر اقتراح لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبنانية برفع سعر صرف دولارات المودعين في المصارف بنسبة 60 في المائة، بأزمة جديدة بين السلطتين التشريعية والنقدية في البلاد، في ضوء التحذيرات المصرفية من مخاطر هذا الاقتراح على مضاعفة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في السوق اللبناني، ما يهدد بتدهور إضافي بسعر صرف الليرة في السوق السوداء.
وتعقد لجنة المال والموازنة اليوم الثلاثاء جلسة برئاسة النائب إبراهيم كنعان، يشارك فيها ممثل عن مصرف لبنان، وتبحث في إمكانية رفع سعر دولارات المودعين التي تُحرر من المصارف بالليرة اللبنانية. ويبلغ سعر صرف الدولارات بموجب التعميم رقم 151 المتعلق بسحوبات الودائع بالدولار، 3900 ليرة لبنانية لكل دولار في حسابات الزبائن في المصارف، علماً بأن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يبلغ 19 ألف ليرة للدولار الواحد. وتسعى اللجنة البرلمانية إلى تقليص الفارق عبر اقتراح تعديل مضمون التعميم ليُصرف على سعر 10 آلاف ليرة.
وقالت مصادر مصرفية لـ “الشرق الأوسط” إن الاقتراح مطروح، لكن تطبيقه بسرعة يتعذر في حال الاتفاق عليه، وأوضحت أن الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة في السوق الآن تجاوزت الـ40 تريليون ليرة لبنانية، محذرة من أن أي ضخ إضافي لتلبية حاجات السحوبات بالليرة بنسبة 60 في المائة “سيضاعف حجم الكتلة النقدية التي يتوجب على المصرف المركزي ضخها، وستذهب مباشرة إلى السوق الموازية، ما سيرفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء”. وقالت: “هذه الخطوة ستزيد التضخم بالعملة الورقية بالليرة اللبنانية في السوق، طالما أن لا حلول سياسية للأزمة”، مشددة على أنه “بغياب سلطة مرجعية، أي حكومة فاعلة تفاوض مع المؤسسات الدولية وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، سيؤدي إلى تدهور إضافي بسعر صرف الدولار في السوق الموازية”.
واوضحت إن المصرف المركزي سيصنف هذه الخطوة على أنها “تضخيم إضافي للكتلة النقدية في السوق”، بعدما اقترحت السلطة التنفيذية في الأسبوع الماضي بزيادة بدل النقل لموظفي القطاع العام بنسبة ثلاثة أضعاف، كما اقترحت صرف راتب شهر لموظفي القطاع العام كمساعدة اجتماعية.
وتُقدر الكتلة النقدية بالدولار الموجودة في حسابات المودعين في المصارف، بـ105 مليارات دولار بحسب أحدث الإحصاءات، علما بأن التوظيفات الإلزامية للمصارف في مصرف لبنان بالدولار الأميركي فتقدر بنحو 14.5 مليار دولار. كما تقدر الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة في السوق اللبناني بنحو 40 ألف مليار ليرة.
“الشرق الأوسط”
مع انتهاء العمل بالتعميم 151 الذي يجيز سحب الودائع الدولارية على سعر صرف الـ3900 ليرة، اواخر أيلول، ستدخل لجنة المال والموازنة على خط مساءلة المعنيين في القطاع المالي، حول جدوى الاستمرار بهذا التعميم واقتطاع 85 في المئة من مدخراتهم، لتطرح امكانية رفع سعر الصرف لتلك السحوبات أو تحريرها.
فيما خطف اقتراح رفع سعر صرف السحوبات النقدية المصرفية من الودائع الدولارية من 3900 ليرة الى 10000 ليرة، الأنظار، وانعقدت الآمال على لجنة المال والموازنة التي كان من المتوقع ان تبحث فيه خلال جلستها اليوم، أكّد رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان انّ هذا الموضوع ليس على جدول الاعمال، وهو ليس اقتراحاً بل سؤالاً سيتمّ توجيهه الى المعنيين في القطاع المالي من مصرف لبنان وجمعية مصارف ووزارة المال، خلال جلسة استماع سيدعو اليها هذا الاسبوع، لمناقشة المعنيين حول أسعار الصرف المتعددّة، التي باتت معتمدة في السوق من سعر صرف رسمي الى سعر صرف للسحوبات المصرفية وسعر منصة sayrafa وسعر صرف المحروقات وسعر السوق السوداء.
وأوضح كنعان لـ«الجمهورية»، انّ جلسة اليوم هي جلسة تشريعية لفتح اعتماد اضافي في الموازنة للقطاع الطبي والصحي، بالإضافة الى قوانين اخرى. مؤكّداً انّ اللجنة النيابية يحق لها الاستماع وممارسة رقابتها على بعض الامور المالية الحساسة، «ولهذا السبب ستدعو الى جلسة استماع مع المعنيّين، لمساءلتهم حول مختلف اسعار الصرف المعتمدة، خصوصاً سعر الصرف المتعلّق بالسحوبات المصرفية الشهرية من الودائع الدولارية، والذي لم يعد جائزاً اعتماده واقتطاع 85 في المئة من مدّخرات المودعين، بعد ان اصبح سعر الصرف في السوق الموازي عند حوالى 20 الف ليرة»، لافتاً الى «وجود قناعة لدى عدد من النواب والعديد من المواطنين، انّ التعميم 151 اي السحب على سعر صرف الـ3900 ليرة، لم يؤدِ الى النتائج المرجوّة ولم يحدّ من التضخم او من ارتفاع سعر صرف الدولار، وبالتالي فإنّ تحرير سعر صرف السحوبات الشهرية او رفعه، لن يؤدي للضغط على سعر صرف الدولار في السوق السوداء كما كان يتحجّج المعنيّون، لأنّ الدولار آخذ في الصعود رغم ذلك».
وقال: «من حقنا الاطلاع على خلفيات قرار مصرف لبنان وخطته في هذا الخصوص، خصوصاً انّ هناك استنسابية في تحديد سقوف السحوبات الشهرية لمختلف المودعين».
وأوضح كنعان انّ الهدف من طرح موضوع رفع سعر صرف السحوبات الشهرية هو خفض نسبة الاقتطاعات التي يتحمّلها المودعون منذ صدور التعميم 151 ولغاية اليوم من 25 الى 85 في المئة. وبما انّ هذا الاقتراح يأتي من خارج سياق قانون الكابيتال كونترول، رغم انّه وارد فيه، اشار كنعان الى انّ لجنة المال هي من أعدّت قانون الكابيتال كونترول «وبما انّه لا يزال في لجنة الادارة والعدل، وسنسأل حول اسباب عدم إقراره لغاية اليوم».
وبعد ان خسر صغار المودعين إما جزءاً كبيراً من مدّخراتهم أو كاملها، بسبب مواظبتهم على سحب دولاراتهم على سعر صرف الـ3900 ليرة في اطار السقوف المالية الشهرية المحدّدة لهم، فإنّ رفع سعر صرف تلك السحوبات، في حال تمّ اقراره ووافق مصرف لبنان على تطبيقه، فانّه لن يرفع القدرة الشرائية للمودعين، لأنّ سقوف السحب الشهرية المحدّدة بالليرة ستبقى على حالها، أي انّ المودع الذي سُمح له بسحب ما يعادل 10 ملايين ليرة شهرياً على سعر صرف الـ3900 ليرة، سيتمّ السماح له، وفقاً للاقتراح المذكور، بسحب 10 ملايين ليرة أيضاً ولكن على سعر صرف الـ10 آلاف ليرة. وفي النتيجة لن يحصل على سيولة نقدية اضافية تمكّنه من رفع قدرته الشرائية ومواكبة ارتفاع الاسعار مع رفع الدعم عن معظم السلع. إلّا انّ النقطة الايجابية تكمن بأنّ مدّخراته ستتقلّص بوتيرة أبطأ. أي انّه كان يستنزف ما يعادل 2500 دولار شهرياً من حسابه المصرفي بالدولار على سعر صرف الـ3900 ليرة (اذا كان سقف السحب الشهري 10 ملايين ليرة)، ليصبح بعد تعديل سعر صرف السحب، يستنزف 1000 دولار فقط من حسابه».
بيان توضيحي
وكان قد صدر عن المكتب الإعلامي للنائب ابراهيم كنعان البيان الآتي: «نستغرب الضجة التي أُثيرت حول تحضير لجنة المال والموازنة لجلسة استيضاحية مع مصرف لبنان وجمعية المصارف والحكومة في شأن الأسعار المختلفة لسعر الصرف.
والسؤال الذي نضعه برسم المعترضين على مناقشة سعر الصرف للسحوبات الشهرية على اساس 3900 ليرة للدولار الواحد: لماذا لا يحق لنا مناقشة المصرف المركزي وجمعية المصارف والحكومة، عن خلفية اعتماد خمسة اسعار صرف للدولار في لبنان، من رسمي ومصرفي ومحروقات ومنصة وسوق سوداء، خصوصاً انّ السقف المحدّد للسحوبات الشهرية بات يشكّل هيركات بنسبة 85% مع تجاوز الدولار عتبة الـ20,000؟ إننا نطرح مادة للنقاش والتشاور، ولم نتخذ قراراً بعد. ولمن يسأل عمّا فعلته لجنة المال والموازنة، نسأله عمّا فعلته السلطة التنفيذية والقضاء، بالقوانين التي أقرّتها اللجنة، من الإثراء غير المشروع الى استعادة الأموال المنهوبة الى انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الى الكابيتال كونترول، مروراً برفع السرية المصرفية… ولا ننسى قطوعات الحسابات التي أُعيد تكوينها منذ العام 1993 وحتى اليوم، بضغط من لجنة المال والموازنة، ولا تزال لدى ديوان المحاسبة منذ العام 2019.
أخيراً، إنّ الأزمة الكبيرة التي يشهدها لبنان بحاجة الى قرارات وحلول كبيرة يفترض أن تتخذها الحكومة. ولكن، في ظل تقاعس حكومة تصريف الأعمال والتأخّر في ولادة حكومة جديدة، لن نقف مكتوفي الأيدي ونتفرج على ما يعانيه بلدنا والشعب، وسنواصل مناقشة الأفكار والبحث عن مخارج والسعي لتأمين وسائل الصمود، لا سيما في ضوء الوضع الحالي الذي يؤدي استمراره الى مزيد من الانهيار والظلم خصوصاً في حق صغار المودعين».