يشهدُ لبنان زحفاً غير مسبوق نحو مطار بيروت هرباً من حرب المجاعة والافقار التي يعيشُها المواطنون الذين يُطردون من بلدهم بشكلٍ يوميّ، وليس من المُستغرب أن تنتقل الطوابير عينها باتجاه المرافىء تماماً كما حَصَل إبّان الحروب، بحثاً عن بواخر وقوارب تحمِلُنا الى أيّ قطعة في هذه الارض صالحة للعيش.
وأكثر ما يُجسِّد هذا المشهد الاليم هي صور وتعليقات آلاف اللبنانيّين على مواقع التواصل الاجتماعي التي تُعبِّر عن عُمق ما وصلنا اليه وعن لحظات الفراق الصّعبة، ووداع العائلة والاصدقاء والوطن، وداعٌ قد يكون الى الابد.
نشرت ربى طوق منذ أيّام قليلة على صفحَتِها على “فيسبوك” صورة للحظة الاخيرة لها في لبنان، وتحديداً على أرض المطار مع تعليقٍ مؤثّر ممّا جاء فيه: “الدّموع اللي عم تِنهِمِر بالمطار بتحرُق القلب. اللي باقي عم يبكي عاللي فلّ، واللي فلّ عم يبكي عاللي باقي. على أمل إنّو بكرا يِخلص هالكابوس، وبدل الشّمس تضوي شموس، وعلى أرض الوطن المحروس، يِفعَل فِعلو هالقدّوس”.
وتوضيحاً لسبب مغادرتها لبنان، قالت ربى لموقع mtv: “غادرتُ لبنان الى منطقة الخليج مُكرهة بهدف العمل، ولانه لم يكن أمامي أيّ خيارٍ آخر، وتوجّب عليّ الرحيل لكي لا أموت في أيّ انفجار كغيري، ولكي أكون السّند لاهلي، ولانّني كنتُ أشعرُ بدمارٍ في نفسي في كلّ يوم بسبب كلّ ما يحصل. اليوم أودّع عائلتي ولا أعرفُ إن كنتُ سأعود وألتقي بهم من جديد، والرّحيل هو تماماً كالذبح”، مُضيفةً: “كلّ ما حقّقته في حياتي معنوياً ومادياً عاد الى نقطة الصّفر بفعل ما حصل في لبنان، وأنا اليوم، وبعد سنواتٍ من النجاح والعمل، أعود وأبني حياتي من جديد”.
أمّا جويس خوري، وهي أمٌّ لطفلين، فنَشَرت أيضاً على صفحتها على “إنستغرام” صورة تجمعها بولديها في المطار وكَتَبت: “بيروت حبيبتي، آنا أسفة، حاولت إبقى بسّ خَلَص خسرت، انهزَمت. بِرفُض بالـ2021 يربو ولادي على ضوّ الشمعة، بِرفض عيش بقلق دايم إنّو يمرض ولد وما إقدر أمّنلو دوا، بِرفض فكرة عدم فتح المدارس لانّ ما في مازوت… لكلّ واحد بالحكم: يمكن عدالة الارض ما تِقدر عليكم، بسّ عدالة السّما أكيد رح تقدر”.
موقع mtv تواصل بدوره مع جويس التي أخبرت قصّة حبّها للبنان والدافع وراء قرار الرّحيل: “عملت في دبي لـ5 سنوات في إختصاصي ولكنّ رغم ما حقّقته هناك، قرّرت العودة الى لبنان وترك كلّ أحلامي لتأسيس عائلة هنا، وقد بدأ الوضع بالتّدهور بشكلٍ تدريجي ولكنني كنتُ أُصرّ على البقاء بالرغم من كلّ ما يحصل، وإنّما في الاشهر القليلة الماضية شَهدتُ على العديد من الازمات الصحيّة التي حلّت بأشخاص أعرفهم، ومن بينهم من لقي حتفه بسبب نقص الدواء، وهنا أصبح لا مفرَ من الرّحيل، فقرّرنا الانتقال الى دبي”، مُردفة: “كنتُ أتقبّل كلّ ما يحصل في لبنان، ولكن أن يحتاج أي طفل لدواء أو لدخول المستشفى في ظلّ ما يحصل ولا نتمكّن من ذلك، فهذا ما لن أقبل به، لانّه يحقّ لطفلي أن يعيشا حياة طبيعية”، وتختمُ قائلة: “رغم قرار الرحيل، لا زال لديّ الامل بلبنان، وفي كلّ يومٍ أتمنى أن يُصبح الوضع أفضل لاكون في طليعة العائدين”.
ربى وجويس مثل كُثرٍ غيرهم من اللبنانيّين يُغادرون بألمٍ وحرقة قلبٍ وطنهم مُكرهين، مُجبرين، مطرودين، بينما الطّرد وحده يليقُ بتلك الطبقة المُجرمة الحاكمة بأمرنا ومُستقبلنا. كثرٌ ينتظرون بريداً إلكترونيّاً، أو تأشيرة، أو فرصة عملٍ، هؤلاء أيضاً لا يزالون يأملون ويتمنّون في سرّهم ألا يشربوا كأس الوداع…