كتب منير الربيع في “المدن”: تتوالى حملة التصعيد الأميركية ضد لبنان. وسيحفل الشهران المقبلان بالمزيد من التطورات والضغوط والتوترات. فيما ضاعت المبادرة الفرنسية في دهاليز التحاصص اللبناني.
أميركا والحريري وباسيل
الولايات المتحدة الأميركية وحدها تمسك بزمام المبادرة على الساحة اللبنانية، وتستمر في تقديم بعض المساعدات لعدد من المؤسسات اللبنانية، وعلى رأسها الجيش.
لكن السفيرة الأميركية، دورثي شيا، لمّحت الأسبوع الفائت إلى إمكان وقف هذا الدعم. وفيما بعد نقل عنها موقف جديد: عدم تقديم أي شيء مجاني للبنان. وكل مساعدة سيكون لها ما يقابلها، وعلى لبنان أن يدفع الثمن.
وهكذا يصبح تشكيل الحكومة اللبنانية مجرّد تفصيل في مسار الأزمة الوجودية التي يواجهها لبنان. لكن حتى لو تشكلت الحكومة في هذا الظرف، لن تكون قادرة على مواكبة الأحداث والتطورات. فرئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره رئيس التيار العوني جبران باسيل، قابلان لارتداء أزياء التعطيل. وعلى هذا الوتر يلعب الرئيس المكلف سعد الحريري، فيحمِّل مسؤولية العرقلة بكاملها لباسيل.
معضلة حزب الله
جانب فحسب من تصوير الحريري الأمر على هذا الشكل، صحيح. وهو يفعل ذلك ليتجنّب أي مواجهة مع حزب الله، علماً أنه لا يمكن استثناء الحزب من المعضلة التي يمثلها في تشكيل الحكومة، وفي الاعتراف العربي والدولي بها.
فالمملكة العربية السعودية واضحة في موقفها الرافض لأي مشاركة للحزب في الحكومة. لا بل إن موقف الملك سلمان في غاية الوضوح. فحتى لو تغيرت الحسابات الأميركية في شأن حزب الله، لن يتغير الموقف السعودي منه. وهنا قد تتكرر تجربة مرحلة حكومة الرئيس تمام سلام، أثناء ولاية باراك أوباما
ففي تلك المرحلة كانت المفاوضات الأميركية الإيرانية تسير قدماً في اتجاه عقد الاتفاق النووي، ولا تلتقي المصلحة الأميركية مع السعودية في المنطقة كلها بما فيها لبنان. وقد اتخذت السعودية جملة قرارات جذرية وعقابية في حق لبنان. وآنذاك غادر سفراء دول الخليج بيروت، وأُعلن عن تعليق الطيران ووقف كل أشكال المساعدات.
وحتى الآن، لا يبدو أن المصلحة الأميركية ستنفصل عن المصلحة السعودية، ما يعطي زخماً للتصعيد والضغوط. وهناك معلومات متوفرة حالياً تفيد أنه لو أعلن باسيل عن رغبته في عدم تسمية أي وزير، وفعل رئيس الجمهورية مثله، فإن الحريري لن يتمكن من تشكيل حكومته. فالقرار الأميركي واضح: لا لمشاركة حزب الله بهذه الحكومة، سواء مباشرة أو عبر وزراء اختصاصيين. وهذا، فيما يتمسك الحزب بأن يتمثل في الحكومة.
حكومة مؤجلة والانهيار مستمر
ولا تزال الأزمة في بدايتها. ولا يمكن الرهان على أي حلول عجائبية. ومعظم القوى تفضل انتظار خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، على أمل أن تذوب مفاعيل المواقف التصعيدية الأميركية المتصلبة، والتي أعاد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التذكير بها في زيارته إلى فرنسا. وهي ستكون حاضرة بقوة خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية ولقاءاته فيها.
لذا، لا بد من أن يتأخر تشكيل الحكومة إلى ما بعد تسلم بايدن مقاليد الرئاسة الأميركية. وعندها سيعتبر المسؤولون اللبنانيون أن الموانع الأساسية أمام تجديد عقد التسوية قد زالت، فتتشكل الحكومة.
لكن الأسئلة الأساسية حول ما يمكنها أن تحققه، تظل مطروحة بقوة. والجواب البديهي والمنطقي يقود إلى خلاصة واحدة: أولاً، لن يتمكن لبنان من الصمود مدة شهرين. وثانياً بعد هذه الانهيارات يصبح الانقاذ معقداً إلى حدود بعيدة، ويرتبط بمسائل استراتيجية، ستغير طبيعتها وجه لبنان السياسي والاقتصادي والعسكري.
المصدر: المدن