يدفع انهيار الليرة اللبنانية كثيرين للبحث عن بدائل تعينهم على مواجهة الأزمة الاقتصادية والمعيشية ، ولا يوفر رب العائلة اية وسيلة للتخفيف مما تراكمه هذه الأزمة عليه من اعباء حياتية ليتمكن من تأمين الحد ألدنى من قدرته على الصمود أمامها ..
حتى سنوات قليلة خلت كانت سوق الاسكافية أو “الكندرجية “ عند ” البوابة التحتا “ لصيدا القديمة اكثر من مجرد مكان متخصص بتصليح الأحذية كونها ايضاً سوقاً تراثية لحرفة تكاد تكون الأقدم عبر العصور لكنها فقدت بعضاً من وهجها تحت ضربات البضاعة المستوردة وانكفاء الناس عنها – الا الفقراء منهم – فأتت الأزمة الاقتصادية لتنعش مجددا سوق تصليح الأحذية بهدف تمديد صلاحيتها وتجنب شراء الجديد حيث عادت مقصدا لأصحاب المداخيل المحدودة .
تدخل الى سوق الكندرجية فتطالعك الحركة الناشطة التي تستقطبها محال “ الإسكافية” وترافقك حيث تجولت داخل السوق اصوات “ الشواكيش” تطرق على الأحذية بمسامير تعيد لها المتانة بعد استبدال “ نعولها “ ، و” ماكينات “ الخياطة” تدرز جوانبها ودواخلها..
يستقبل “اسكافيو “ سوق الكندرجية يوميا عشرات الزبائن بعضهملا يملك الا الحذاء الذي ينتعله فيخلعه ويجلس على كرسي أو أريكة خشبية بانتظار ان ينهي الاسكافي عمله، وبعضهم يحمله حذاء او اكثر بكيس ويودعه اياه ويعود لاحقاً لأخذها بعد انجاز تصليحها .
ويقول الكندرجي احمد البزري الذي ورث المهنة عن ابيه ويمارسها منذ اكثر من ثلاثة عقود ويقصده زبائنه من الجنوب والاقليم “ لقد اضطر تدني سعر الليرة اللبنانية لصالح الدولار الكثير من الناس للإستعاضة عن تبديل احذيتهم القديمة بالجديدة بتصليحها لأن لا مقدرة لديهم لشراء حذاء جديد بعشرة دولارات ، وكان من الطبيعي ان يفضل الناس اصلاح احذيتهم على استدبالها بجديد ، علماً ان كلفة ادوات ولوازم تصليح الاحذية قد ارتفعت وبات تصليح اي حذاء يبدأ بخمسة آلاف ليرة ومافوق ، ملاحظاً ان” جميع طبقات وفئات المجتمع اللبناني والمقيمين من فلسطينيين وسوريين باتوا يفضلون ترميم احذيتهم وتمديد فترة “خدمتها” .. لقد ولى زمن رمي الاحذية !”.
وتقول احدى السيدات التي قصدت سوق الكندرجية – وهي ام لطفلين “زوجي يعمل اجيراً مياوماً في بيع الخرضوات وهو بالكاد يحصل على أجر 40 الف ليرة اي حوالي 4 دولارات.. لذلك اضطررت لأن آتي الى سوق الكندرجية لأصلح احذية العائلة فلا مقدرة لدينا على شراء احذية جديدة لأن اسعارها اصبحت مرتفعة جدا وتفوق امكانياتنا فأقل حذاء اصبح سعره 7 دولارات.. بينما لا تتجاوز كلفة تصليح عدة أحذية قديمة 35 الف ليرة اي حوالي نصف ثمن حذاء واحد جديد من اقل الأنواع متانة . وكي نتمكن من الصمود بهذه الأزمة لا من التكيف مع الوضع الجديد”.
ويحمل سعد كيوان – وهو معلم اسكافي منذ 40 عاماً – حذاءً نسائياً من الجلد الصناعي وقد انشطر قسمين وطلبت صاحبته اعادة لصقه وخياطته ، ويقول “ هذه اول مرة خلال عملي في هذه المهنة طيلة اربعة عقود تأتيني هذه الكمية من الأحذية في فترة قصيرة لتصليحها ، وبعضها في حالة مزرية وكانت بحالتها هذه ترمى في الأوضاع الطبيعية ،
وحتى مهنة الاسكافي تأثرت بدورها بارتفاع اسعار بعض المواد الأولية والمستزمات التي تدخل في هذه المهنة ، وبحسب كيوان ، حل “ نعل الكاوتشوك” محل “النعل “ الطبيعي بسبب ارتفاع كلفته .
واضطر بعض الاسكافيين لرفع تكلفة تصليح الأحذية لكنها بقيت في متناول قدرة المواطن على تحملها بحسب كيوان .ويشير الى ان اسعار الخيوط المستخدمة والمسامير ولاصق الاحذية ارتفعت بنسبة كبيرة .
ويخلع احد الزبائن حذاءه عند الاسكافي ليصلحه ويقول” لا ابالغ اذ قلت انني لا املك سوى هذا الحذاء وحذاءً اخر انتعله في اشهر الشتاء و”مشاية “ للمنزل . اما حذائي هذا فلم يعد صالحاً بعدما “ نتأت” اصابع قدمي من مقدمته..وكان لا بد من اصلاحه وترميمه وقد اتفقت مع الكندرجي على دفع 5 الاف ليرة مقابل ذلك، فانا لا استطيع شراء حذاء في ظل ارتفاع الاسعار.. فلا يستطيع رجل يعمل في بيع أعلاف الدواجن على دفع مائة الف ليرة ثمن حذاء” !.
المفارقة ان العديد من المواطنين من غير القادرين على تأمين احذية جديدة لأولادهم يستبق حلول عيد الأضحى المبارك بـ” ترميم “ احذيتهم المستعملة وصبغها لتبدو بحلة جديدة !.
رأفت نعيم