فلسطينيو المخيمات يتضامنون مع لبنان المنكوب: وسلام من القدس الى بيروت
لم يقف فلسطينيو المخيمات في لبنان مكتوفي الايدي ازاء انفجار مرفأ بيروت، فمنذ اللحظة الاولى هبوا لنجدة أشقائهم اللبنانيين، وتطوعوا لتخفيف آثاره الكارثية، وبسلمة جراح المصابين، ورفع الركام وازالة الانقاض ورفع جثث الضحايا ونقل الجرحى، في استعادة لمتانة العلاقات بين الشعبين.
وحالة التضامن، اعادة تسليط الاضواء على تاريخ العلاقات الثنائية بين الطرفين التي مرت بمراحل من المد والجزر بدءا من الحرب اللبنانية عام 1975، مرورا بالاجتياح الاسرائيلي عام 1982، وصولا الى اتفاق الطائف العام 1989، حيث التزم الفلسطينيون بتطبيقه، فانكفأوا عسكريا الى المخيمات وما زالوا ينتظرون حوارا رسميا يرسي أسسا واضحة للعلاقة المعقدة والشائكة تقوم على الحقوق والواجبات، فيما لبنان الرسمي والسياسي والشعبي بشكل عام، لم يتخلّ عن دوره الوطني ومسؤوليته في دعم القضية الفلسطينية وفي اخطر محطاتها المصيرية، وآخرها “صفقة القرن” وقبلها رفع التمثيل الدبلوماسي وافتتاح سفارة لدولة فلسطين وسواها.
في المقابل، برهن الفلسطينيون عمليا في المراحل العصيبة التي يمر بها لبنان داخليا لجهة الخلافات السياسية والاحداث الامنية وخارجيا لجهة الارتباط بالازمة الاقليمية، انهم يقفون على الحياد الايجابي وليسوا طرفا ضد آخر، وان لبنان المعافى القوي دعما للقضية الفلسطينية وشعبها حتى العودة، رغم بعض محاولات الاستقطاب او الاستدراج او زجهم بأتونها، وذلك بفضل الموقف الفلسطيني الرسمي الحاسم بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، وتوافق القوى السياسية على اختلافها وطنيا واسلاميا على موقف موحد ترجم باعلان المبادرة الوطنية لحماية المخيمات والحفاظ على العلاقات مع الاشقاء اللبنانيين في العام 2014.
التزام فلسطيني
وخلال السنوات الماضية، لم يترك الفلسطينيون مناسبة والا وأكدوا فيها التزامهم بسيادة الدولة والقانون اللبناني والتعاون مع السلطات السياسية والقوى الامنية بكل ما يحفظ أمن واستقرار المخيمات والجوار اللبناني معا. ومضوا في طريق الالتزام بلاءاتهم “لا لفتنة لبنانية-فلسطينية، او سنية-شيعية او التدخل في الشؤون الداخلية، لا للتوطين ونعم العودة”.
ويؤكد عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الديمقراطية” فتحي كليب لـ”النشرة”، “منذ اللحظات الاولى لكارثة الانفجار، هبّت المخيمات الى تقديم كل دعم ممكن، سواء عبر حملات التبرع بالدم او فتح المؤسسات الصحية في المخيمات لاستقبال الجرحى، اضافة الى اعلان بعض رجال الاعمال الفلسطينيين استعدادهم لاستصافة عائلات لبنانية متضررة من الكارثة”، مضيفا ان “هذه المبادرات الايجابية في تفاعل المجتمع الفلسطيني من لبنان هي ليست الاولى، بل ان تاريخ العلاقات الفلسطينية اللبنانية يزخر بمثل هذه النماذج التي كلما نمت وتطورت وتعززت في مسار اخوي، خرجت بعض الاصوات العنصرية التي ما اعتادت ان تعيش الا على وتر العصبيات الطائفية والمذهبية وحسابات الربح السياسي دون ادنى اعتبار للمصاب الجلل. رغم كل ذلك، سنبقى نحب بيروت واهلها، وسيبقى لحب هذه المدينة طعم مختلف لدى فلسطين والفلسطينيين، لن يغيرها حقد جاهل او حسابات ضيقة الافق من هذا او ذاك. فبيروت لا تختصر بممارسات من اعتادوا الفتنة، فتحية لبيروت المقاومة. تحية لبيروت العربية”.
وحدة الجراح
والتضامن الفلسطيني مع بيروت المنكوبة، لم يقتصر على المواقف السياسية، بل ترجم بوحدة الدم والجراح، اذ لم تفرق شظايا الانفجار بين لبناني وفلسطيني، اذ قضى فراس الدحويش من مخيم برج الشمالي في منطقة صور، واصيبت نسرين ابو سويد بجراح خطرة في رأسها وما زالت ترقد في غرفة العناية الفائقة في مستشفى حمود الجامعي في صيدا بين الحياة والموت وغيرهما… ووحدتهم بالعزيمة لمواجهة اثار الفاجعة، فهب ابناء المخيمات لتضميد جراح مدينة بيروت المنكوبة، ساهموا باسعاف الجرحى ونقل المصابين ورفع الركام والانقاض واخماد الحرائق رغم الامكانيات المتواضعة، واعلنوا عن فتح منازلهم لاستضافة المتضررين داخل المخيمات وخارجها ومنها على سبيل المثال لا الحصر، في مدينة صيدا حيث اعلن رجل الاعمال الفلسطيني عدنان ابو سيدو عن استعداده لاستضافة عدد من المتضررين في شقق سكنية في منطقة شرحيبل بن حسنة–بقسطا.
ويقول مدير مستشفى “الهمشري” التابع لـ”جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني” الدكتور رياض ابو العينين لـ”النشرة”، منذ اللحظات الاولى لوقوع الانفجار، لم يقف الفلسطينيون مكتوفي الايدي، اذ سارعت الطواقم الطبية والتمريضية والاسعافية الى تلبية نداء الواجب، على قاعدة “الجرح واحد” و”فلسطين تتضامن مع لبنان الجريح”، قائلا “ان “تحركنا السريع كان نابعا من شعورنا بالمسؤولية والواجب الانساني والوطني مع لبنان وشعبه الذي قدم الكثير من التضحيات للقضية الفلسطينية وهذا اقل الواجب مع لبناني الشقيق”، موضحا “اننا ساهمنا في نقل جثث الشهداء والجرحى الى مستشفيات العاصمة وخارجها، واستقبلنا في المستشفى خمسة حالات واحدة منها بحاجة الى عملية جراحية”.
ويؤكد قائد الدفاع المدني في مخيم عين الحلوة تامر الخطيب، ان المؤازرة الفلسطينية بالمشاركة بمئات عمليات الإنقاذ، اثمرت انقاذ عاملة أثيوبية وهي على قيد الحياة، نقلت إلى مستشفى الراعي في صيدا، وانتشال الشاب عصام عطا حياً من تحت الركام بعد 12 ساعة متواصلة من عمليات البحث، وجرى نقله بواسطة سيارة تابعة للدفاع المدني الفلسطيني إلى مستشفى “اوتيل ديو”، قائلا لم نقم الا بواجبنا الانساني والوطني ونعتبره قليلا ازاء التضحيات الجسام التي قدمها لبنان لنا، فهو ما زال يحتضننا منذ سبعة وعقود ونيف، ونعتبر اننا كشعب واحد ومصاب واحد، ولا حدود بيننا”.
شموع وسلام
اما داخل المخيمات، فقد اعلن ابناؤها وبشكل فردي وطوعي، عن استعدادهم لاستضافة المتضررين في منازلهم رغنم ضيق مساحتها وتلاصقها. بل وتقاسم الحلوة والمرة معهم وحتى “لقمة الخبز وشربة المي”، فيما اضاء بعض الشبان الشموع حزنا ونظموا وقفات تضامنية عند المداخل.
وامتدادا الى فلسطين، تضامن ابناؤها مع بيروت المنكوبة ورددوا شعارا “اخبروا أرز لبنان او زيتون فلسطين يعانقه، اضاء فلسطينيون شموعا في كنيسة المهد في بيت لحم، ورسم فنانون لوحة بالرمال تحية سلام من شاطىء غزة الى ست الدنيا”، واعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد وتنكيس الاعلام، ووجه السفير اشرف دبور لوضع الامكانيات الفلسطينية تحت تصرف الاشقاء في لبنان، وهاتف رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية رؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة حسان دياب، واعلنت القوى السياسية الوطنية والاسلامية كافة ان الذي أصاب لبنان أصابهم في الصميم.
المصدر/ خاص النشرة