لم يجد المغترب ماهر النقوزي، العائد الى صيدا منذ أيام قليلة لقضاء عطلة الصيف بين أهله وأقاربه، مفرّاً من شراء مولّد خاص بقوة 20 أمبيراً لاستخدامه في المنزل ومحاربة الظلام وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، بعد الانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي والتقنين القاسي بالاشتراكات الخاصة او اطفائها مع نفاد مادة المازوت في المصافي وفي السوق الرسمي.
يقول النقوزي لـ “نداء الوطن” انه على شاكلة الكثير من العائدين الى المدينة اضطرّ الى شراء المولد بالعملة الخضراء (الدولار) بهدف قضاء عطلة مريحة بعيداً من ازمات الكهرباء والاشتراكات والمياه، مشيراً الى “ان ما وصلنا اليه في لبنان لم يخطر ببال احد، اصبحنا في القرن الحادي والعشرين والناس عادت الى العتمة والشمعة والمولدات الخاصة”.
منذ أشهر، استفحلت ازمة انقطاع التيار الكهربائي بسبب التقشف في فتح الاعتمادات المالية من مصرف لبنان، سدّ اصحاب المولدات الخاصة الفراغ، ولكن منذ اسابيع ومع ازمة المازوت باتوا غير قادرين على الصمود مع ازدياد حاجتهم ارتباطاً بساعات تقنين الدولة والتي لامست العشرين ساعة يومياً ومع فقدانها في المصافي واضطرار بعضهم للشراء من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، ما يكبّد المواطنين في نهاية المطاف فاتورة غالية تقدّر هذا الشهر بنحو مليون ليرة لبنانية عن كل خمسة امبير.
توازياً، دفعت ازمتا الكهرباء والمولدات عدداً من المواطنين المقتدرين واصحاب المحال التجارية والمهن الحرة وآخرهم المغتربين الى الإقبال على شراء المولدات المنزلية للإستعانة بها على مواجهة الظلام وارتفاع درجات الحرارة، فشهدت سوق المولدات بأحجامها وطاقتها المختلفة رواجاً كبيراً بالرغم من انها تباع بالدولار الأميركي على قاعدة الكحل (الغلاء)، أفضل من العمى (العتمة).
وينقسم الذين يقبلون على شراء هذه المولدات على اختيارها صغيرة الحجم لا تستهلك كميات كبيرة من الوقود، وتمكّنهم في الوقت ذاته من انارة المنزل وتشغيل براد ومروحة وتلفزيون على الأقل، ويفضّلون ان تعمل على البنزين نظراً لإمكانية تأمينه بالرغم من ازمة الطوابير امام المحطات، مقارنة مع “الديزل” الذي بات مفقوداً من الأسواق الا من السوداء منها!
بينما يفضّل المقتدرون شراء المولدات ذات المحركات الكبيرة التي تعمل على المازوت للحاجة اليها لتشغيل مكيفات التبريد ويشكّل المغتربون النسبة الاكبر، بهدف الاستفادة من طاقتها لمنازلهم اذا كانت كبيرة، او ترك ما يشترونه من مولدات بعد سفرهم لأهاليهم ليستعينوا بها على التقنين القاسي. وفق ما يؤكد حسن عنتر “جئت الى صيدا منذ عشرة ايام، واجهت الانقطاع الدائم في التيار الكهربائي، فقرّرت شراء مولد خاص ثم اتركه للأهل”، مضيفاً “لقد تفاجأت كثيراً بالواقع المزري في لبنان، كنت اتابع باهتمام كل التطورات ولكن “السمع مش مثل الشوفة” انها معاناة يومية لا تنتهي لقد اعادونا الى العصر الحجري”!
مقابل الاقبال على الشراء، فإن بعض المواطنين الذين يملكون مولدات خاصة صغيرة في السابق لاستخدامهم المنزلي، ردّوا نبض الحركة والحياة اليها بعدما نفضوا عنها الغبار واعادوا تشغيلها بعد اصلاح وصيانة ما تعطّل منها بفعل الاستهلاك والزمن، وان كان اصلاحها في ظل ارتفاع كلفته واسعار قطعها، ليس بمتناول يد الكثيرين منهم! وقد ادّت عملية الشراء والصيانة الى تنشيط الحركة الاقتصادية ولو بشكل محدود.
وامتداداً الى الازمة بوجهها الآخر، فقد التزم موظفو الإدارة العامة في سراي صيدا الحكومي بالاضراب، الا تلك التي استثنت ادارتها لتسيير إما اعمال ادارية داخلية او معاملات ضرورية للمواطنين لا سيما امانة السجل العقاري ودائرة المساحة والمنطقة التربوية التي تواكب ميدانياً سير عملية امتحانات الشهادة الثانوية العامة الرسمية وتعمل على انجاز جداول الاساتذة المتعاقدين، وواصلت مصلحة الصحة وفرع تعاونية الموظفين عملهما كالمعتاد وحضرت رئيستها لورا السنّ وموظفو التعاونية لإنجاز معاملات الاستشفاء الطارئة والملحة، لكن انقطاع التيار الكهربائي وعدم تشغيل مولد عائد لإدارة اخرى يمدّ التعاونية بالتيار اعاق سير العمل، علماً ان العديد من المصالح في السراي تعاني من عدم قدرتها على تأمين التيار الكهربائي حتى من مولدات لدى إدارات أخرى، إما بسبب عدم توافر شبكة تمديدات تربطها بها، أو بسبب إطفاء بعض هذه الإدارات لمولداتها بسبب الاضراب او عدم توافر المازوت.
كما يعاني مركز النفوس من شح كبير في الاوراق الثبوتية لإخراجات القيد الافرادية ما تسبّب بتراكم معاملات المواطنين على اختلافها، ولجأ الى عملية تقنين عبر تلبية طلبات المضطرين فقط للذين يودّون الحصول على اخراجات القيد من اجل تجديد جواز السفر او لمولود جديد.
واوضح رئيس رابطة مخاتير مدينة صيدا ابراهيم عنتر “ان دوائر النفوس كانت بمثابة الشعرة الباقية في هذا البلد للتمسّك بها، الا ان اصحاب القرار عملوا على قطع هذه الشعرة”، مشيراً الى ان المغتربين الذين جاؤوا لمساعدة اهلهم في هذه الظروف الصعبة وجدوا أنفسهم في دائرة الخطر نتيجة عدم تمكّنهم من الحصول على المعاملات المطلوبة لتجديد جوازات سفرهم.
المصدر : محمد دهشة – نداء الوطن