كتبت بولا اسطيح في “الشرق الأوسط”: الهدوء في سجن رومية (أكبر سجن في لبنان) في ساعات قبل الظهر قد يوحي للوهلة الأولى أن السجن، المرتفع على إحدى التلال شرق بيروت، منفصل عن الواقع اللبناني «التعيس» الذي يعج بعشرات الأزمات التي تنفجر، واحدة تلو أخرى، من دون إذن مسبق. فالتراجع الكبير بعدد الزوار نتيجة عدم تمكن الأهالي الذين يسكنون في الأطراف والمناطق البعيدة من زيارة أبنائهم بشكل منتظم لعدم توفر مادة البنزين، كما للارتفاع الكبير بتكلفة المواصلات، يجعل الحركة فيه مقتصرة إلى حد كبير على عناصر الأمن
.
في الحانوت، أي المتجر الصغير الذي يشتري منه الأهالي حاجيات أبنائهم، الملاصق للمبنى «ب» الشهير الذي يؤوي السجناء المصنفين خطيرين وإرهابيين، حركة خفيفة. فمعظم السلع تماماً كما هي الحال في المحال التجارية خارج السجن مفقودة.
في المبنى «د» – الذي يؤوي مزيجاً من السجناء، أي موقوفين لم يحاكموا بعد، إضافة إلى محكومين بجرائم قتل وسرقة، وبشكل أساسي تجار مخدرات، كما محكومين بتهم إرهاب، تم تخصيص طابق لهم كي لا يختلطوا بباقي السجناء وينقلوا إليهم أفكارهم المتطرفة، كما يشرح أحد عناصر الأمن – وصلت عند الساعة العاشرة والنصف من صباح الأربعاء الأغراض التي اشتراها أهالي السجناء وأقاربهم، فملأت المدخل الضيق حيث انصرف عدد منهم لتقسيمها تمهيداً لتوزيعها على سكان الزنزانات في الطوابق العلوية. صناديق كثيرة من المياه المعدنية، لحوم، زيت، فواكه، أكواز ذرة وغيرها كثير من المواد والسلع التي قد تبدو للزائر مفاجئة كماً ونوعاً. عند سؤالنا أحد السجناء عن «هذا الترف» خاصة أن كثيراً من اللبنانيين لم يعودوا يتناولون اللحم والفواكه منذ أكثر من عام بعد ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، يوضح أن كل هذه الأغراض تصل للسجناء الميسورين، وهم أقلية، أما الأكثرية ونتيجة الغلاء المستشري فباتت تأكل من طعام السجن الذي ما كانت تتناوله من قبل نظراً للنوعية السيئة والكمية الصغيرة التي تراجعت بشكل إضافي بعد الأزمة، لافتاً إلى أن كثيراً من الميسورين يتقاسمون طعامهم اليوم مع رفاقهم في الزنزانات.
ولا يخفي العميد فارس فارس، المكلف بمتابعة ملف السجون في وزارة الداخلية والبلديات، أن هناك تراجعاً بكمية ونوعية الطعام الذي يقدم للسجناء، «فما يسري على اللبنانيين عامة خارج السجن، يسري على السجناء أيضاً، بحيث إنه قبل الأزمة الاقتصادية كان المبلغ المرصود سنوياً لغذائهم 10 مليارات ليرة لبنانية، أي 7.7 مليون دولار، عندما كان سعر الصرف 1500 ليرة للدولار الواحد، أما الآن ومع انهيار سعر الصرف فالمبلغ المرصود لم يعد يتجاوز 500 ألف أو 600 ألف دولار، وقد طلبنا من وزارة المالية زيادة الاعتمادات، وبعد جهد جهيد تمكنا من زيادة هذه الاعتمادات إلى 30 مليار ليرة لبنانية، لكن هذا المبلغ يبقى غير كافٍ، لأننا بحاجة شهرياً إلى وجبات غذائية ومواد أولية بقيمة 3 مليارات ليرة ونصف مليار، ما يعادل 40 مليار ليرة سنوياً».
ويشير فارس في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه وبعكس ما يتم تداوله: «لم نتوقف عن إطعام السجناء اللحم والدجاج، إنما خفضنا الكميات مراعاة للظروف المادية، فمثلاً بدلاً من حصولهم على اللحم والدجاج مرتين في الأسبوع بات ذلك يتم كل 10 أيام تقريباً».
عناصر الأمن يشكون للسجناء!
لا يسمح للسجناء الخروج بشكل يومي إلى الباحة الخارجية، إذ تخصص 3 أيام للزيارات و4 أيام للوجود في الهواء الطلق لنحو 6 ساعات. الأربعاء الماضي، كانت الأكثرية في زنزاناتها. وحدها الملابس الملونة المنشورة من الشبابيك وأصوات أجهزة التلفزة تؤشر إلى وجود آلاف خلف القضبان. بعض الأصوات تعلو عند مشاهدة زائر لدعوته بالاطلاع على أحوالهم داخل الزنزانات
.
للمفارقة أن أحوال السجناء لا تختلف كثيراً عن أحوال عناصر الأمن المخولين حراسة المباني. هم يبدون منهكين، وقد ترك الهم والضغط آثارهما بوضوح على ملامحهم التعيسة. فالحرارة المرتفعة خلال أشهر الصيف في لبنان، والتي تترافق مع الضغوط المعتادة التي يواجهونها، باعتبارهم يتعاطون مع أكثرية عنيفة من السجناء، إضافة إلى الضغوط المستجدة المرتبطة برواتبهم التي فقدت قيمتها مع انهيار سعر صرف الليرة، فأصبح راتب العنصر العادي يعادل أقل من 65 دولاراً أميركياً، مقارنة مع نحو 800 دولار قبل بدء الأزمة في صيف العام 2019، كلها عوامل جعلت السجناء يتعاطفون مع حراسهم!