كتبت لوسي بارسخيان في “المدن”:
لمن تطرأ لديهم فكرة التعنيف، وصولاً إلى القتل أو محاولة القتل، يمكنهم فعل ذلك مع عروضات مغرية في الملاحقات والعقوبات، تصل إلى حد “إخلاء السبيل”، ومن دون حتى الاستماع إلى الضحية. ليس مهماً إذا وجهت الضحية إتهاماتها لأحدهم، وادعت عليه بالإسم والعنوان. يكفي أن تقع القضية في يد قاض “متفهم” لجريمة التعنيف والاعتداء الجسدي أو النفسي، وحينها سيسترد “المتهم” حريته، وحتى قبل الاستماع إلى إفادة الضحية.
ما ذُكر حصل فعلاً في محكمة البقاع الاستئنافية مساء الخميس في 25 حزيران الجاري، عندما قررت الهيئة الاتهامية في البقاع ورئيسها، إخلاء سبيل علي. م، بعد 45 يوماً على تسليمه لنفسه إثر إدعاء زوجته عليه بمحاولة قتلها.
خلال هذه الفترة تقدم علي بطلبي إخلاء، رفضهما قاضي التحقيق الأول في البقاع، وكان آخرهما يوم الثلثاء في 23 حزيران الجاري.
اعترضت وكيلة علي على رفض إخلاء السبيل الأخير لدى الهيئة الاتهامية في اليوم التالي، وقبلت الأخيرة الاعتراض في اليوم نفسه، مصدرة قرار إخلاء السبيل عند الثالثة من بعد ظهر الأربعاء، لقاء كفالة مالية حددت بـ500 ألف ليرة فقط، ليصار إلى إخلاء الموقوف فوراً عند السادسة مساء.
وعلي م. هو من تتهمه زوجته زينب بأنه حاول قتلها بتاريخ 5 نيسان الماضي، وقالت أنها تعرفت إليه متخفياً بزيّ امرأة، حين كمن لها لساعات أمام منزل مستقل تقطنه مع أطفالها الثلاثة، بعدما هجرته. فسدد بصدرها ست طعنات كادت تودي بحياتها.
كان يمكن لوكيلة زينب أن تميّز بالقرار الصادر عن الهيئة الاتهامية. إلا أنها بدت حريصة على أن لا تدخل قضية موكلتها في أدراج النسيان، وسط كم الملفات المشابهة “المهملة” لدى هذه المحكمة في بيروت. فيما ينعم علي كل تلك الفترة بحرية “مستفزة” لعائلة زوجته وأشقائها، و”مرعبة” لزينب، الخائفة من أن يكرر زوجها فعلته. خصوصاً، كما تقول زينب “أنها ليست المرة الأولى التي يكشف فيها عن نيته الإجرامية تجاهها، من دون أن تتحرك الأجهزة الأمنية، التي اشتكت لديها، لتحميها”.
بينما كان علي مساء الخميس يحتفل بحريته بعد فترة توقيف استمرت 45 يوماً، عادت زينب وأطفالها كما تقول “لتعيش الرعب من الموت الذي اختبرته خلال فترة تعافيها”. تقول زينب لـ”المدن” أنها حبست نفسها وأولادها الثلاثة في المنزل منذ صدور قرار إخلاء سبيله، وصارت أي حركة في الخارج ترعبهم.
ليست زينب وحدها، في المقابل، من لم يتعاف بعد من طعنات زوجها الست، وإنما عائلتها كلها. ومن بينهم طفلتهما الكبرى البالغة 9 سنوات فقط. فالأخيرة سمعت صوت طرق عنيف على باب المنزل قبل أن تجد والدتها مطعونة أمامه. وهي كما تروي زينب، اختبأت في “المغطس” لأكثر من نصف ساعة، ولم تتخط بعد الصدمة التي مرت بها.
اليوم الطفلة تخضع لعلاج نفسي، كي تتخطى ذلك الرعب الذي عاشته بينما كانت والدتها تطعن أمام بيت المنزل.. فيما لا تزال زينب تعاني ضيقاً خانقاً بالنفس، كلما بذلت مجهوداً عادياً في عملها لتحصيل لقمة عيشها.
وقلق زينب على نفسها يطال أشقاءها أيضاً، الذين ساندوها في رفضهم لمحاولات الصلحة العشائرية التي بذلها مقربون. فبالنسبة لهؤلاء، كانت الصلحة تعني إعفاء علي من العقاب. فيما زينب – كما تقول – تريد العدالة، التي تحميها وتحمي عائلتها من تجربة مماثلة.
ظنت زينب أنه بتوقيف علي، أصبحت قضيتها في أيدي القضاء الأمينة. إلا أن المفاجأة كانت بإخلاء سبيله، حتى قبل الاستماع إلى إفادتها. هي التي كانت قد طلبت بجلسة في المحكمة الشرعية من أجل البت في حضانة أولادها الثلاثة ونفقتهم، ولكن لا هو ولا محاميته حضرا.
لم تعد زينب وعائلتها واثقين بالعدالة بعد إخلاء سبيل من تتهمه بمحاولة قتلها. وما يزيد من قلقهم أن الهيئة الاتهامية التي ستظن في قضيتها، هي نفسها التي لم تر في اتهامات الزوجة لزوجها سبباً كافياً لإبقائه موقوفاً. بل أخلت سبيله وفقاً لوكيلة علي “لعدم توفر الأدلة”.
ومع ذلك لا تزال زينب تعوّل على جلسة يوم الاربعاء المقبل في 2 تموز، حتى تدلي بكل إفادتها. وأملها أن تخرج من الجلسة بقرار ظني ينصفها ويحمي عائلتها.
لعل ما ستحتاجه زينب عند الاستماع إلى إفادتها، هو سلطة قضائية متحررة من عقلية ذكورية لا ترى في “التعنيف” الأسري ما يستحق أشد العقوبات. واعتراف نهائي من المجتمع كما من سلطاته، بأن ” التعنيف جريمة، وضحاياه يتكررون. وآخرهم طفلة قتلت على يد والدها إنتقاماً من الوالدة”.