لم أكن أعرف عنه شيئاً، كنتُ أحمله بداخلي دون علمي، إهمال أحدهم جعلني أدفع ثمنه غالياً. لم أكتشف حقيقة إصابتي بالفيروس إلا بعد تعرّضي لحادث سير جعلني أسير المستشفى. كان عليّ أن أتلقى الصفعات واحدة تلو الأخرى، لم أكن بعد قد خرجت من صدمة الحادث حتى أتلقى الضربة القاضية التي جعلتني أنعزل عن العالم لسنة بكاملها. نتيجة فحص الدم جاءت إيجابية: أنت تحمل فيروس نقص المناعة البشرية أو الـHIV، لم يكن للطبيبة أدنى شك بهذه النتيجة التي حصلت عليها لكني لم أكن أعلم أني أحمل هذا الفيروس، والأصعب لم أكن أعرف شيئاً عنه.” بهذه العبارات يستهلّ طوني قصته مع HIV الذي جعله يغرق في يأسه لأشهر طويلة.
يروي طوني تجربته القاسية التي شكّلت محطة فصل في حياته؛ وقع كلام الطبيبة كالصاعقة عليه، لم تُصارحه بحقيقة الفيروس بطريقة مبسطة أو سهلة، “كانت كلماتها قاسية ومدمرة، حالتك كتير صعبة وبدنا نعالجك ضروري، في كتير إشيا رح تتغيّر؛ هذه الكلمات كانت كفيلة في جعلي شخصاً منعزلاً عن كل العالم. لم أكن أعرف كيف لي أن أحمل هذا الفيروس، ابتعدتُ عن الناس ولم أعد أصافح أحداً أو أرى أحداً. وبعد فترة، وعندما عاودتُ التواصل مع الطبيبة تبّين لي أن سبب إصابتي يعود لفرضيتين: خضعتُ لجراحة في إحدى العيادات والتي تبين لاحقاً أنها غير مرخصة وقد تمّ إقفالها بالشمع الأحمر. ومن المرجح أن أكون التقطت العدوى هناك. أما الفرضية الأخرى فهي احتمال انتقال العدوى خلال قيامي بوشم عبر الإبرة . لكن بعد وقت، إكتشفت ان السبب الحقيقي كان بسبب علاقة جنسية غير محمية، وأن كل الفرضيات الأخرى سقطت بعد معرفتي بالحقيقة.
عاش طوني صدمة نفسية، كان عمره 27 عاماً عندما علم بإصابته، بالنسبة له “لم تعد الحياة مهمة، أصبحتُ أنتظر الموت ولا أرى معنى لوجودي. دخلتُ في دوامة اليأس والحزن والصدمة، استغرقت سنة بكاملها حتى استوعبتُ الأمر، لم أكن أعرف شيئاً عن الموضوع ولم أكن ملمّاً بالشأن الصحي، حتى زارني صديقي وقرر أن يأخذني الى جمعية “العناية الصحية” التي تهتم بمرضى HIV على كل المستويات“.
كان طوني يعيش كالزومبي: “كنتُ أعيش في انتظار الموت، لم أكن أتحدث أو أخرج مع أحد الى أن زرتُ الجمعية وبدأت أتعرف على حقيقة مرضي بكل تفاصيله. وبعد 6 أشهر على قدومي الى الجمعية، شعرتُ بالراحة، بالفعل، لقد أصبحت شخصاً يعرف كل ما يتعلق بحالتي، وعرفتُ أني لست الوحيد الذي يعيش مع هذا الفيروس وأنها ليست نهاية العالم كما خُيّل إليّ“.
بعد سنة من العزلة عن المجتمع، شعر طوني بالأمان، أصبح لديه اليوم مرجعية يعود إليها عندما يحتاج لأي شيء. الدعم النفسي والمعنوي الذي وجده هناك كان كفيلاً لإحيائه من جديد. اليوم طوني يحمل أكثر من رسالة، يقول: “أتمنى أن نُدرج التربية الجنسية في المناهج الدراسية، فلو تعلمناها لما كنا وصلنا الى هنا. والرسالة الثانية هي أن نتحدث دون خوف، وعدم التفكير في أحكام الناس وردود أفعالهم. علينا أن نعرف أن “الحكي بطوّل العمر” ويمكنه إنقاذ حياة قد تفكر بالانتحار نتيجة اليأس الذي تتخبط به. لقد كنتُ واحداً من هؤلاء الذين شعروا ان الحياة لم تعد لي وأن الموت في انتظاري. على كل شخص يحمل هذا الفيروس أن يتحكم به ولا يدع الفيروس يتحكم بحياته. الحياة لا تنتهي هنا، هي فقط تتغيّر
شهادة طوني كفيلة أن تنقل صورة ما يُعانيه الشخص عند اكتشافه بالفيروس، نعرف جيدا أن 90% من حالات الـHIV سببها العلاقات الجنسية غير المحمية، لذلك من المهم عدم الخوف او التهويل من الإبر او الوشم أو المستشفى، ولا يجوز ان ننشر الذعر من التاتو او العيادات، بل علينا الحرص والتوعية حول العلاقة المحمية وكل ما يُعرض الشخص لإلتقاط العدوى. ما هو واقع لبنان اليوم مع فيروس نقص المناعة البشرية؟ وكيف نُفسر زيادة الحالات المصابة في لبنان لعام 2019 مقارنة بالسنوات الماضية؟
يشرح العضو في جمعية “العناية الصحية” باتريك فرح لـ“النهار” أنه بالرغم من حملات التوعية التي تُعتبر أنها اجتازت شوطاً لا بأس به في التثقيف حول فيروس نقص المناعة البشرية، إلا ان لبنان شهد زيادة في حالات الإصابة بالـHIV حيث سُجل 204 حالات جديدة في العام 2019 في حين كان العدد في العام 2018 حوالى 160 حالة جديدة. وفق أرقام وزارة الصحة اللبنانية عبر برنامج الوطني للسيدا في لبنان. ويعود سبب الزيادة في الاصابة الى رفض البعض اللجوء الى الواقي الذكري بغية الشعور باللذة أو لعدم معرفتهم بالثقافة الجنسية وأهمية الإحاطة والمعرفة حول الإلتهابات الجنسية المنقولة. صحيح أن الثقافة الجنسية موجودة في بيروت والمدن الكبيرة إلا أنها غائبة أو شبه موجودة في المناطق البعيدة التي لا تعرف الكثير حول هذه الالتهابات الجنسية المنقولة.
وانطلاقاً من الأعداد التراكمية حتى العام 2019 التي تُسجل 2570 حالة HIV في لبنان، من المهم أن نُعيد التركيز وتسليط الضوء على أهمية التوعية والتثقيف وكسر المحرمات بغية الحدّ من زيادة الحالات والتشجيع على الحديث أكثر عن الثقافة الجنسية تفادياً للإصابة بأي التهابات جنسية منقولة وليس فقط HIV.
بالعودة الى الأرقام، يشير فرح الى أن “الإصابة بالـHIV سُجلت عند الفئة العمرية التي تراوح بين 18 و30 عاماً حيث بلغ عدد الرجال (الأكثرية من المثليين) 193 إصابة يُقابلها 11 إصابة عند النساء. وقد شهدت النساء ارتفاعاً في حالات الإصابة مقارنة بالسنة الماضية حيث لم يتخطَّ العدد 6 حالات، ويعود السبب الى الوعي والتحلي بالشجاعة لإجراء الفحص.
لذلك، ندعو كل شخص قام بعلاقة جنسية غير محمية أو تعرض للاغتصاب أو واجه مشكلة تمزق الواقي الذكري خلال العلاقة الإتصال بالجمعيات المعنية لمعرفة ما عليه القيام به. من المهم أن نعرف ان هناك 48 ساعة يمكن التصرف بها في حالة الاغتصاب لضمان عدم انتقال العدوى او الفيروس إليه وتناول الدواء اللازم لحماية نفسه.
لكن ماذا عن الفحوصات؟ يوضح فرح أن هناك 3 أنواع من الفحوصات التي يمكن إجراؤها للتأكد من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية:
* فحص دم في المختبر
* rapid test: لكن من المهم إجراؤه بعد مرور 3 أسابيع على ممارسة العلاقة الحميمة حتى تعطي نتيجة دقيقة.
* self test: يعتمد هذا الفحص على التشخيص الذاتي الذي يعتمد على اللعاب ولكنه يتطلب مرور شهر