في ظل الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها لبنان انهارت غالبية القطاعات، ومنها القطاع التعليمي الذي لم ينجُ من التدهور السريع. وهذا القطاع الذي كان يُعتبر من بين القطاعات المتقدمة جداً على مستوى الشرق الأوسط أصبح اليوم بخطر، وبات الاستمرار بتقديمه الجودة ذاتها للطلاب مهددا، خصوصاً مع انهيار سعر الصرف وفقدان الليرة نحو مئة بالمئة من قيمتها.
هكذا أصبحت اليوم المدارس ولاسيما الخاصة أمام خيارين، إما رفع الأقساط بنسبة عالية لكي تستمر، وبالتالي رفع رواتب الأساتذة والعاملين لديها، وعندها ستعلو أصوات الأهالي ما سيدفع العدد الكبير منهم لعدم إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة ونقلهم بالتالي إلى المدارس الرسمية، أو الاستمرار بقبض الأقساط المدرسية من دون أي تغيير يُذكر وأيضاً من دون أي زيادة في رواتب المعلمين ما سيدفع هؤلاء إلى هجرتها، وبالتالي عدم تمكن المؤسسات التعليمية من استقطاب أساتذة جدد بالمستوى الأكاديمي نفسه للحفاظ على جودة التعليم برواتب منخفضة.
ومع اقتراب فتح المدارس في شهر أيلول المقبل ستكون هناك صعوبات كبيرة و”معارك” بين الأهالي والمدارس، علماً ان كل المعطيات تؤكد ان الكارثة ستكون كبيرة على المدارس الخاصة ما سيدفعها مُجبرة إلى رفع الأقساط، فماذا ينتظر الأساتذة والطلاب؟ وهل فعلاً القطاع التعليمي مهدد في لبنان؟
نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود أكد لـ “لبنان 24” ان هناك صعوبة للعودة الى المدارس في شهر أيلول بسبب الأزمة المعيشية وانقطاع البنزين وتدهور القدرة الشرائية للرواتب إضافة إلى استمرار انتشار فيروس كورونا، مشيراً إلى اجتماعات تُعقد في وزارة التربية لبحث كل هذه المسائل وإيجاد حلول لها.
وعن إمكانية زيادة الأقساط في المدارس الخاصة، أوضح عبود ان الزيادة تحصل بعد إعداد المدارس للموازنات واطلاع وموافقة لجان الأهل عليها، مشيرا إلى ان بعض المدارس أبلغت الأهالي أنها ستزيد أقساطها في العام المقبل، وقال: سنرى إذا كان الأهل سيستطيعون إرسال أولادهم إلى المدارس واذا تمكن الأساتذة أيضاً من الحضور ولاسيما مع مشكلة المحروقات والكهرباء والانترنت.
ماذا عن زيادة رواتب المعلمين الذين يتقاضون بمعظمهم معاشات على سعر الـ 1500 ليرة؟ أشار عبود إلى ان هذه المسألة ستُبحث مع المعنيين ويجب إيجاد حل فوري لها، لافتاً إلى ان عدداً من المدارس الخاصة عمد إلى زيادة رواتب الأساتذة.
وتابع عبود: “نحن كنقابة معلمين لا يمكننا إيقاف التعليم، اما كهيئة تنسيق فمن الصعب جدا ان نعود إلى المدارس ما لم يتم إيجاد حلول للرواتب”، لافتاً النظر إلى ان ثمة أساتذة لم يقبضوا بعد معاشاتهم، وكشف عن اجتماعات ستُعقد اليوم الثلاثاء في وزارة التربية لبحث موضوع رواتب المعلمين، وفي حال لم يتأمن ما يُطالب به الأساتذة فلا عودة للمدارس.
وعن وجود نية تصعيدية لدى المعلمين، قال عبود: “نحن سننتظر القرارت التي ستُصدر عقب هذه الاجتماعات لنقرر بعدها الخطوات المقبلة. ”
أما كيف ستكون العودة إلى المدارس في أيلول؟ فأجاب عبود: نحن كأساتذة نتمنى ان تكون العودة هذه السنة حضورياً لاسيما مع المشاكل المتعلقة بالتعليم اونلاين وهي زادت مؤخرا مع تقنين الكهرباء القاسي ومشاكل الانترنت، مجددا التأكيد بأن مسألة العودة مرتبطة بـ 3 أمور: الوضع الاقتصادي والمالي والصحي لاسيما مع عودة انتشار كورونا وبدء الحديث عن إقفال محتمل في أيلول، وهو موعد فتح المدارس.
وعن تراجع مستوى التعليم في لبنان نتيجة إقفال المدارس واعتماد الأونلاين لسنتين مُتتاليتين، قال عبود انه من الطبيعي ان يتراجع مستوى التعليم في هكذا وضع ولكن المهم الآن التركيز على إعادة تدريس المناهج كاملة وتأمين الحضور إلى المدارس ، لأن التعليم عن بُعد فقط لا يمكن الاعتماد عليه.
أما في ما يتعلق بمسألة هجرة الأساتذة ، فلفت عبود إلى عدم وجود بعد أرقام فعلية عن عدد الذين هاجروا بل يجب انتظار شهر تشرين الأول لمعرفة العدد الحقيقي، ولكن العدد غير قليل وهو يتزايد بشكل كبير.
وحذر عبود من أن المدارس ستدفع الثمن من خلال نقص الطاقات التربوية بسبب موجة الاستقالات والهجرة وبالتالي يجب عليها التمسك بكادرها التعليمي.
البنك الدولي دقّ جرس الإنذار
ولا بد من الإشارة إلى ان البنك الدولي دقّ جرس الإنذار في تقرير أصدره في حزيران الماضي بشأن مستقبل قطاع التربية والتعليم في لبنان حيث دعا لضرورة أن يشرَع لبنان على وجه السرعة بتنفيذ أجندة للإصلاح الشامل تعيد تمحور قطاع التعليم حول الطلّاب، وتعطي الأولوية للارتقاء بجودة التعليم للجميع. وأشار التقرير إلى أن انخفاض مستويات التعلّم وعدم التوافق بين المهارات وإحتياجات سوق العمل يعرّض مستقبل الأجيال الصاعدة في لبنان للخطر.
Lebanon24