كتبت نسرين مرعب في “أساس ميديا”:
فُجع اللبنانيون، وخصوصاً الجسم الطبي، بوفاة أوّل طبيب بفيروس الكورونا. والتساؤل الأكبر أنّ الضحية، وهو ابن بلدة يارين الجنوبية، لا يتجاوز عمره الـ32 عاماً، ولا يعاني من أيّ أمراض مزمنة. ما أحدث حالة ذعر في أوساط اللبنانيين، بعد أيام من ارتفاع عدّاد الإصابات إلى حدود المئة يومياً.
غير أنّ الطبيب لؤي اسماعيل، ليس الشاب الأوّل الذي فتك به الفيروس، فقد سبقه محمد ابن الـ22 عاماً والذي عانى شهراً على أجهزة التنفّس الاصطناعي في مستشفى رفيق الحريري الجامعي قبل أن يستسلم جسده، بحسب ما يؤكد رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى النبطية الحكومي الدكتور حسن أبو عباس لـ”أساس”. وقد فضّلت عائلته عدم نشر اسمه كاملاً حفاظاً على خصوصية العائلة. مع العلم أنّ محمد أيضاً ما كان يعاني من أيّ أمراض مزمنة وما كان يدخّن.
وفيما لم يُعلن عن كيفية انتقال الفيروس إلى محمد، فإنّ حالة الطبيب لؤي اسماعيل، الذي يعمل في المستشفى اللبناني – الإيطالي في صور، كانت أكثر وضوحاً. إذ انتقل إليه الفيروس في قسم الطوارئ أثناء إسعافه مريضة لديها حالة توقف في القلب، ووضع جهاز التنفّس الاصطناعي لها. وهذا العمل هو الأكثر خطراً على الأطباء بحسب الدكتور حسن أبو عباس، إذ يخرج من المريض رذاذات في الهواء قد تنتقل إلى الطبيب المشرف على الحالة.
المريضة التي أسعفها الدكتور لؤي لم تظهر عليها عوارض الكورونا، ولم يتم إثبات إصابتها بالفيروس إلا لاحقاً. في حينها كان لؤي قد بدأ يشعر بالإرهاق والتعب والإسهال فدخل كمريض إلى المستشفى اللبناني – الإيطالي حيث خضع لفحص الكورونا مرتين، وفي المرتين ظهر سلبياً، بحسب الدكتور حسن أبو عباس، الذي يؤكد أنّه في تلك المرحلة لم يكن لدى الطبيب أي عوارض واضحة.
وبحسب رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى النبطية، فإنّ حالة لؤي بدأت بالتدهور بعد أسبوع حين بدأ يشعر بضيق في التنفس، والصورة الرئوية أظهرت وجود التهاب. حينها أعيد إخضاعه لفحص الكورونا للمرة الثالثة، فظهرت النتيجة إيجابية، فقررت إدارة المستشفى نقله إلى مستشفى النبطية حيث يوجد مركز يعالج هذه الحالات.
الدكتور أبو عباس يوضح أنّ الطبيب لؤي وصل إليهم في حالة حرجة: “كان يعاني من ضيق تنفس وسعال وحرارة. وخلال 4 أو 5 أيام تدهورت صحته، ما دفعنا إلى وضعه أمس على جهاز تنفسي. لكنّه لم يستجب وتوقّف قلبه اليوم”.
وينقل الدكتور أبو عباس عن العائلة تأكيدها أنّ لؤي لا يعاني من أيّ مشاكل صحية مزمنة، أما عن التدخين فهو مثله مثل أيّ شاب يدخن النرجيلة بين الحين والآخر.
وفي الختام يحذر الدكتور الشباب من الاستهتار: “لا أحد يمكنه السيطرة على المرض، علينا اعتبار كل شخص نقابله مصاباً واعتماد الخطة الدفاعية. والالتزام بالوقاية والتباعد، فنحن نواجه وباءً وليس مرضاً عادياً”.
من جهتها، تؤكد مصادر وزارة الصحة لـ”أساس” أنّ السبب الأساسي للوفاة هو التأخّر في التشخيص، مضيفة: “في لبنان عدد الوفيات بالنسبة للإصابات هو منخفض، وذلك بسبب إجراء الفحوصات للمخالطين، وإدخال أيّ شخص لديه عوارض على الفور إلى المستشفى”.
وعن حالة الدكتور لؤي اسماعيل، تقول المصادر: “الفيروس لا يظهر فوراً لذلك أتت النتيجة سلبية في البداية. ولهذا السبب لم يتلّق فوراً العلاج اللازم”، مشددة على أنّه “في حال التشخيص الباكر نصل نحن والمريض إلى بر الأمان”.
وتوضح المصادر أنّ إدارة وزارة الصحة تتابع هذه التطورات، وأنّهم “بانتظار التقرير الطبي لمعرفة أين سوء التقدير الذي حصل، وحتى ذلك الحين لا يمكن إعلان شيء”.
“الشباب لديهم العاصفة المناعية. أحياناً مناعة الجسم تؤدي إلى ردّ فعل، ما يسبب بإصابة أعضاء حيوية، وخاصة الرئتين”، بهذه العبارة يجيب عضو “اللجنة الوطنية للأمراض السارية والمعدية” والاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري، عند سؤاله عن أسباب فتك المرض في الشباب، موضحاً أنّ “من لديهم أمراض مزمنة ومسنّين هم الأكثر عرضة للأذية بسبب فيروس كورونا. وهذا لا يعني أنّ الشباب لا يصابون”.
ويوضح الدكتور البزري أنّ علاج العاصفة المناعية يختلف، مشيراً إلى “دراسة بريطانية صدرت مؤخراً تقول إنّ الديكساميتاسون مفيد لدى جميع المرضى لكونه يؤثر على العاصفة المناعية بالإضافة إلى استخدام العلاجات الأخرى التي تستخدم في أمراض الروماتيزم لتثبط المناعة (تضعفها). لذلك العاصفة المناعية تحدث لدى الشباب”.
“التشخيص مهم والتدخل العلاجي مهم أيضاً في حال وجدنا سبب للتدخل”، يشدد الدكتور البزري، مشيراً إلى أنّ “العلاج الدوائي حتى اللحظة غير متوفر بشكل عام، مع العلم أنّ هناك دواء أظهر مؤخراً نتائج مشجعة ولكنّه غير متوفر في لبنان”.
ويوضح الدكتور أنّ “العلاج الوحيد الآن هو علاج تفاعل المريض مع الفيروس، ونحن كأطباء أصبح لدينا خبرة كبيرة بعلاج تفاعل المريض مع الفيروس. وفي أحيان كثيرة هناك مرضى إنذارهم صعب والخطورة لديهم عالية، نوفق بعلاجهم”.
وفيما يتعلق بفحص الكورونا ودقة نتائجه، لاسيما وأنّ الطبيب أُخضع لفحصين وفي المرتين جاءت النتيجة السلبية، يقول البزري: “أفضل فحص PCR حظوظه أن يكون إيجابي 70%، وهذا يعني أنّ هناك هامش 30% أن يعطي نتيجة سلبية وهو غير سلبي. وهنا يعود الأمر للانطباع السريري. فإذا كان الطبيب المعالج مصرّ أنّ لديه كورونا عليه أن يعالجه على هذا الأساس ويعيد الفحص لاحقاً”.
وبالعودة إلى الدواء الذي أثبت فعاليته وهو دواء ريمديسيفير، يوضح الدكتور البزري أنّ “الدواء متوفر بصيغتين، الصيغة الأولى وهي الرسمية وهو دواء أميركي. أما الصيغة الثانية فهي بإعطاء الشركة الأميركية الإذن لشركة مصرية كي تنتجه في مصر من أجل توزيعه على 127 دولة. للأسف الحكومة اللبنانية لم تقم بواجبها بأن تقول لصندوق النقد الدولي إنّ لبنان دولة مفلّسة. وبالتالي ما زال تصنيفنا كدولة متوسطة إلى مرتفعة الدخل، لذلك لم يتم وضعنا بين الدول التي تستفيد من الدواء الرخيص. واليوم كان لدينا نقاش في وزارة الصحة كي تتحرك الحكومة اللبنانية من أجل إمكانية الحصول على النسخة الأرخص من الدواء. لأننا نتوقع أننا سنحتاج إلى كميات لا بأس بها من هذا الدواء في المستقبل القريب”.