“مصائب قوم عند قوم فوائد”. مثل يصلح في لبنان في الايام الاخيرة، بالتحديد مع ارتفاع سعر صرف الدولار، ففي الوقت الذي يعاني فيه السواد الاعظم من اللبنانيين الذين يقبضون بالعملة المحلية من انخفاض قيمة رواتبهم وقدرتهم الشرائية، يعيش من يقبض بالدولار في ظروف افضل حتى وإن ارتفعت الأسعار بشكل خيالي الا أنه على اقل تقدير لم يتغيّر مستوى معيشتهم.
انعكاس ايجابي
شح الدولار من السوق جعل من يحصل عليه وكأنه أصبح من الأغنياء الجدد، وإن كان موظفاً عادياً، نتالي واحدة من قلة قليلة من اللبنانيين لا تزال تقبض بالدولار، تعمل في احدى المنظمات الغير حكومية، الازمة انعكست عليها “ايجابا” مع انخفاض قيمة العملة الوطنية حيث قالت لـ”النهار”: “اعمل في مؤسسة تمويلها اجنبي، راتبي يبلغ 1300 دولار، في السابق كان يعادل مليون و950 الف ليرة، اما اليوم اذا حسبنا سعر الصرف 7500 ليرة فان راتبي يعادل 9 ملايين و750 الف ليرة، اي انه تضاعف نحو 7مرات، وعلى الرغم من ارتفاع اسعار المواد الغذائية وكل الاغراض في السوق الا انه للمرة الاولى بات بامكاني ان ادخر عدة ملايين، مع العلم اني زدت من شراء الحاجيات الخاصة بي”. واضافت: “مازلت اشتري اللحم رغم ارتفاع سعره، والملابس ومستحضرات التجميل، لكن من ناحية اخرى احاول ان اقتصد فيما يتعلق بشراء الطعام، اركز بشكل اكبر على الدجاج والارز والمعكرونة، كما مسحت المطاعم والمقاهي من قائمة اهتمامي على الرغم من انه باستطاعتي زيارتها، الا اني افضل ان ابقي جزءا من راتبي لمواجهة الايام الصعبة التي يحذرنا منها الخبراء والسياسيون”.
رفاهية ولكن
منال كذلك اثّر عليها ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل ايجابي، كون اولادها في افريقيا يرسلون اليها 1500 دولار شهرياً، حيث قالت “على عكس باقي المواطنين للأسف اشعر واني اعيش حياة رفاهية اكثر بكثير من السابق، اشتري ما يحلو لي وإن ارتفعت الاسعار، اذ يكفني ما يصلني ويزيد، منزلي ملك وليس ايجار ولا احتاج من المال سوى للطعام والشراب”؟ واضافت: “على الرغم من اني اشعر بالراحة، الا انني اتمنى ان تعود الاوضاع الى طبيعتها، اذ لا احد تخيل يوما ان يصل سعر الدولار الى ارقام قياسية في لبنان، وفي النهاية انا لست انانية، اريد ان يعيش اللبنانيون اوضاعا جيدة، وان لا نصل كما لوّح بعض المسؤولين الى المجاعة”.
حفاظ على المستوى المعيشي
على الرغم من اعتقاد من يقبضون بالدولار انهم استفادوا من فارق سعر الصرف بين الماضي واليوم، الا انه وحسب ما اكده الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، فإن الأمر لا يتعدّى إلا “محافظة هؤلاء على المستوى المعيشي الذي كانوا يعيشونه”. وشرح أن “عددا قليلا من المؤسسات لا تزال تدفع رواتب موظفيها بالدولار وهي الشركات ووسائل الاعلام الدولية وذلك عن عبر حساب في المصرف fresh money”.
وضع من يقبض بالدولار لم يتغيّر إلا انه لم يتضرر من الازمة، في حين من يقبض بالليرة تضرر، “منهم الموظفون في القطاع الخاص الذين حسمت رواتبهم الى النصف كذلك الذين حرموا من الحوافز بالتحديد موظفي المصارف، ـأما موظفو القطاع العام فلا يزالون يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية وهم كباقي الموظفين خسروا من قدرتهم الشرائية نتيجة ارتفاع الاسعار بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وهناك اصحاب الرواتب المرتفعة جدا بالليرة، اوضاعهم كانت ممتازة وفي ظل الوضع الحالي لم يخسروا سوى بالارقام، اي ان نوعية حياتهم لم تتغير، هم مستمرون بشراء اللحم والخضر والخروج في نزهات، وان كان مصروفهم قد زاد. وهناك من خسر عمله بشكل مطلق كما حال الندلاء في المطاعم اذ ان قسما كبيرا منهم صرف من عمله سواء بحجة البطالة التقنية او لاسباب اخرى”، مشددا على ان “جميع اللبنانيين تضرروا من جشع التجار”.
دعم من الخارج
وصول الدولار الى ايدي بعض اللبنانيين ليس فقط من طريق رواتبهم، بل ان عائلات كثيرة تستند على اقربائها في الخارج الذي اعتادوا ارسال دفعات شهرية لها، منهم لينا التي ترسل لها ابنتها منى 250 دولار شهريا من الولايات المتحدة الاميركية، وقد شرحت لـ”النهار” كيف زادت قيمة المبلغ عن الضعف بعدما وصل سعر الصرف في omt الى 3800 ليرة، وقالت: “في البداية كنت اقبضه من الشركة المالية وعلى مدى اشهر على سعر 1500 ليرة كنت اشعر وكأن الأمر سرقة موصوفة من قبل الدولة، لكن الآن اعتبر ان السعر مقبول وان كنا لا نزال نسرق، ولا زلت لا اعلم لماذا لا نستلم التحويلات بالدولار”. واضافت “لاشك ان فرق المبلغ لابأس به، لكن مع ارتفاع الاسعار الى ارقام خيالية لم يعد يحدث فرقا”، لافتة الى انه “لديّ اربعة اولاد يحتاجون الى الكثير من الحاجيات، راتب زوجي باللبناني، احمد الله ان ابنتي تساعدني فلولاها لكنا انكسرنا في منتصف الشهر”.
اسرار شبارو – النهار