حذر الصحفي الأميركي المعروف توماس فريدمانمن أن الديمقراطية في بلاده تواجه خطرا مريعا أكثر مما تعرضت له منذ الحرب الأهلية والغارة الجوية المباغتة، التي شنتها اليابان على القاعدة البحرية الأميركية في ميناء بيرل هاربر سنة 1941؛ بل وأشد هولا من أزمة الصواريخ الكوبية في 1962.وافاد الكاتب في مقاله الأسبوعي بصحيفة نيويورك تايمز (New York Times) أن الرئيس دونالد ترامب ظل يصرح في الآونة الأخيرة -“بنبرة واضحة لا لبس فيها، وبشكل أكثر وضوحا” في المناظرة التلفزيونية التي جرت أمس الثلاثاء- بأن أمام الناخبين في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل خيارين لا ثالث لهما، ليس من بينهما انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة.
وتتطرق فريدمان إلى تجربته في تغطية الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)عندما كان مراسلا صحفيا، وكيف أنه رأى ما يحدث في تلك الدولة من ألاعيب سياسية حيث كان عدد لا بأس به من السياسيين يقدمون مصلحة أحزابهم على مصالح الوطن، وقال إنه يتمنى ألا يحدث مثل ذلك في أميركا.
ولفت الكاتب إلى أن ترامب أبان بشتى الطرق أنه إما أن يعاد انتخابه مرة أخرى، أو ينزع الشرعية عن عملية التصويت بالادعاء أن الاقتراع عبر البريد باطل، رغم أنها وسيلة عريقة ظلت تستخدم في انتخابات الرئاسة منذ زمن طويل بما فيها تلك التي جاءت بترامب إلى سدة الحكم.
ولعل دوافع ترامب لم يحدث أن كانت أكثر وضوحا وشفافية مما هي عليه اليوم، فهو إن لم يفز بالكلية الانتخابية، فسوف يعمد إلى “التشويش” على النتائج؛ لكي تُحال إلى المحكمة العليا أو مجلس النواب للبت فيها (وفي هذه الحالة سيكون لكل ولاية ممثل واحد فقط)، بحسب فريدمان الذي يؤكد أن ترامب ذو حظوة في كليهما.
وأبدى الكاتب قلقا شديدا؛ لأن منصتي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” أصبحتا “محركات عملاقة” كفيلة بتقويض الركيزتين التي تقوم عليهما الديمقراطية ألا وهما الحقيقة والثقة.
وأضاف: صحيح أن شبكتي التواصل الاجتماعي الاثنتين -برأي فريدمان- منحتا صوتا لمن لا صوت له وهو أمر “تحمدان عليه لما تنطويان عليه من إمكانية لتعزيز الشفافية”؛ إلا أنهما أصبحتا “بؤرتين كبيرتين” لنظريات المؤامرة، التي يتم تداولها ويصدقها عدد كبير من الناس.
ويزعم الكاتب في مقاله أن فيسبوك وتويتريقضيان على ما يسميها “المناعة المعرفية” عند الشعب الأميركي، وعلى قدرته على التمييز بين الحق والباطل،
ودون تبادل الحقائق التي تُبنى عليها القرارات، فلن يتسنى إيجاد حلول لأصعب التحديات التي تواجه الأميركيين، ودون قليل من الثقة التي يسعى الطرفان (ترامب وبايدن) للحفاظ عليها وتعزيز المصلحة العامة “فلن يتأتى لنا إنجاز أشياء كبيرة”، على حد تعبير فريدمان.
ومضى إلى القول إن المؤسسات التي طالما علّق الأميركيون الآمال عليها بأن تكون خارج اللعبة السياسية كي تستطيع الفصل بين الصواب والخطأ، وقعت في حبائل السياسة حتى باتت قلة قليلة منها موضع ثقة العامة لتحديد المصلحة العامة وكيفية بلوغها.
ويخلص فريدمان إلى التأكيد على أنه لا يمكن صون ديمقراطية معافاة في ظل مثل هذه الظروف، ولعل هذا ما يجعل انتخاب جو بايدن هو الخيار الوحيد، من وجهة نظر توماس فريدمان، الذي يصف دونالد ترامب بأنه أكثر الرجال “تدليسا، وخطورة، وخبثا، وإثارة للخلاف والشقاق، وفسادا” من كل الذين تولوا الرئاسة في الولايات المتحدة.
وأعرب فريدمان عن قناعته بأن انتخاب بايدن للرئاسة يبقى الأمل الوحيد لأميركا، مضيفا أنه “لاستعادة شيء من الوحدة والعقلانية فلا بد أن يفوز بايدن”.
المصدر: الجزيرة