ظاهرة التهديد بالحرق تتكرّر: تعبير عن الأفق المسدود وفقدان الأمل بأي حلول قريبة

ظاهرة التهديد بالحرق تتكرّر: تعبير عن الأفق المسدود وفقدان الأمل بأي حلول قريبة

- ‎فيالمحلية

ظاهرة التهديد بالحرق تتكرّر: تعبير عن الأفق المسدود وفقدان الأمل بأي حلول قريبة

لم يعد تهديد المواطنين بإحراق أنفسهم وفي وضح النهار وأمام الملأ، مشهداً غير مألوف في صيدا وغيرها من المناطق اللبنانية، مثل هذه الحوادث نادراً ما كانت تحصل عموماً، اليوم يبدو أنّها تحوّلت خياراً أخيراً لدى البعض، للحصول على مستحقّاتهم المالية المحجوزة في المصارف من دون وجه حق، لتُضاف الى سلسلة الحوادث المأسوية ومنها الإنتحار كواحدة من التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية والمالية، في ظلّ انعدام الحلول.

تهديد بالحرق

المواطن (علي.ح) واحد من هؤلاء، لم يجد وسيلة للتعبير عن اعتراضه على رفض إدارة أحد المصارف في صيدا طلبه تحويل أموال لإبنته الى الخارج لتُكمل تعليمها، سوى سكب البنزين على نفسه أمام مدخل المصرف، ووسط شارع رياض الصلح الرئيسي وعلى الملأ. رفع صوته لكنّه لم يُخف غضبه، أخفى دموعه غير أنّه لم يتمالك نفسه قبل أن يتدخّل عدد من المارة لثنيه عن فِعلته.

الحادثة التي عبّرت عن مدى غضب المودعين من احتجاز أموالهم في المصارف مهما كانت، كشفت بالمقابل عن فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها ومصارفها ووعودها. بعض المارة قالوا له بحسرة: “فكّر جيداً، خسارة أن تُحرق نفسك من أجلهم ولن يهتمّوا”، وبعضهم الآخر: “لن تخسرك إلّا عائلتك، لا تحرق نفسك وقاوِم لتحصل على حقّك”، والبعض الثالث: “أنظروا أين وصلنا، لم نسرق وندفع الثمن وغيرنا سرق وصادر أموالنا.. أين العدالة”.

دقائق معدودة قبل أن تُسدل الستارة على المشهد بالتراجع عن قراره الذي لم يكن الأوّل في المدينة، إذ سبقه قبل ثلاثة ايام مشهد مُكرّر لمواطن هدّد بإحراق نفسه، وفي احد المصارف بسبب رفض إدارة وموظّفي المصرف طلبه تحويل القسط الجامعي من حسابه الشخصي لنجله في الخارج، تشابهت الحكاية واختلف الابطال، وبقي المشهد مفتوحاً على خيبات أمل قد تتكرّر قريباً وللاسباب ذاتها، اذا لم تتواجد حلول سريعة لذلك، وقد تؤدّي الى الأسوأ.

فقدان الأمل

وكعادتها ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالحادثة، تفاوتت التعليقات ولكنّها اجمعت على أنّ الناس وصلوا الى أفق مسدود وفقدوا الأمل بأي حلول قريبة، وِفق ما تقوله الناشطة في “حراك صيدا” هدى حافظ لـ”نداء الوطن”، والتي أشارت الى أنّ “مشهد التهديد بحرق الإنسان نفسه نتيجة طبيعية لحجز الأموال وتراكم الأزمات”، مشيرة الى أنّ “حِراك صيدا عالق بين نارين، الدخول الى المصارف ومساعدة من يحتاج لسحب أمواله أو تحويلها، وبين اعتبارها إدارة المصارف حجّة للإقفال، وبالتالي لا نريد أن نعرقل السحوبات على قلّتها، لقد وصل الناس الى مرحلة اليأس كي يُقدموا على فعل كهذا”. بينما اعتبرت الناشطة آمنة ابو زينب أنّ محاولة إضرام النار تجسّد نموذجاً لآلاف اللبنانيين الذين فقدوا الأمل والثقة بالدولة مع انعدام الحلول القريبة”، مؤكّدة لـ “نداء الوطن” أنّ “تراكم الأزمات، من الإنهيار المالي الى جائحة “كورونا” لم يترك لهم خيارات كثيرة، ومشهد الحرق أو الإنتحار أو الإكتظاظ في مطار بيروت دليل مؤشّر سلبي على أنّ القادم سيكون الاسوأ، لأنّ الدولة غائبة عن الواقع، وما انفجار بيروت الا دليل على الغيبوبة، فيما أعضاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية والحراك تحرّكوا لبلسمة الجراح”.

مقابل الإحباط، وفي مبادرة جديدة حملت أكثر من رسالة تضامن وبلسمة جراح، أطلقت صيدا حملة إغاثية مشتركة بين “مدرسة دوحة المقاصد” التابعة لـ”جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة” في صيدا مع “ثانويّة راهبات مار يوسف الظهور” بعنوان: “بيروت ما بتموت إذا كنا سوا”، حيث عملتا على تشكيل فريق تطوّعي، وذلك استكمالاً للحملات والمبادرات التي أطلقتها المدينة ببلديّتها وتجمّع مؤسّساتها الأهليّة منذ انفجار مرفأ بيروت.

وعمل الفريق كخليّة نحل، جمع التبرّعات واستطاع توضيب حصص غذائية احتوت على أكثر من 16 صنفاً، قبل الإنطلاق مع الفريق التطوّعي حيث كانت محطتهم الأولى مركز “تجمّع المؤسّسات الأهلية” الموقّت في منطقة الكرنتينا بالقرب من فوج إطفاء بيروت، فوزّعوا الحصص الغذائية على عائلات فوج حرس بيروت، ونظّموا وقفة تضامنيّة مع فوج إطفائية بيروت وقدموا واجب العزاء لرئيس الفوج الملازم أول جورج كاشي ومن خلاله التّعازي الى عائلات الضحايا.

وقالت مديرة دوحة المقاصد هنا جمعة: “نحن كتربويين في المدارس ما عاد رؤساؤنا قدوة لنا، بل أنتم يا رجال الوطن أصبحتم القدوة التي نحتذي بها، ويبقى لعطاءاتكم الأثر الذي لا يُمكن الا أن ننحني إجلالاً لها”، مُضيفةً: “في مدارسنا لم يعد أمام تضحياتكم كتب نُدرّس بها، بل صار لدينا العديد من القصص والدروس التي عملتم على تقديمها بالدم ليحيا وطننا لبنان ونستطيع أن ننهل منها ما يكفي من الدروس والعبر”.

وأثنى أمين سرّ “تجمّع المؤسّسات الأهليّة” في صيدا وضواحيها ماجد حمتو، الذي رافق الفريق، على عمل المؤسّسات التربوية ومبادراتها في تقديم المساعدات ومدّ يد العون بالرغم من كلّ الظروف، آملاً في أن تستطيع بيروت تجاوز هذه الكارثة الأليمة، قائلاً: “لعلّ هذه المبادرات التي تقوم بها صيدا تكون رسالة أمل بوطن جديد يتّسع لطموح أطفالنا وشابّاتنا وشبابنا وآمالهم بغدٍ أفضل. بينما حثّ رئيس “جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية” في صيدا المهندس يوسف النقيب على القيام بمبادرات كهذه.

المصدر/ محمد دهشة – جريدة نداء الوطن