في سبت تعليق المشانق.. أنطوني متظاهر يخسرعظام وجهه واسنانه برصاص “خردق” فوق ركام بيروت

في سبت تعليق المشانق.. أنطوني متظاهر يخسرعظام وجهه واسنانه برصاص “خردق” فوق ركام بيروت

- ‎فيالمحلية

كتبت جويل غسطين في القناة الثالثة والعشرون ,
أهلا بكم في جمهورية لبنان الديمقراطية، حيث التظاهر ضد الظلم والقتل والفساد يُقابل برصاص مطاطي مباشر، قنابل مسيلة للدموع من العيار الثقيل، قنابل جدار الصوت، ورصاص “لصيد العصافير”.

أنطوني جريج، شاب في الربيع الثاني من عمره، مفعم بالحياة، الوطنية والشهامة. قرّر في الثامن من آب/ أغسطس أن يثور ضد السلطة التي انفجر إهمالها بوجه الشعب، فقتلت ما لا يقلّ عن المئتي شخص، جرحت الآلاف وشردت مئات الآلاف، كما وقتلت كل أحلام العزيزة بيروت، التي تبكي أولادها وبنيانها وآثارها، وتلفظ آخر أنفاسها بعد أن طالتها أيادي الفساد والإهمال والإرهاب السياسي.
لكن قبل ذلك التاريخ، أنطوني مثل الكثير من الشبان والشابات، الذين ضاقت بهم الحياة في لبنان، حملوا يافطات منددة بالظلم ونزلوا الى الشارع ليلة 17 تشرين الأول. وهنا بدأت رحلة الألف ميل من القمع والتعسف والإعتداء العشوائي على المتظاهرين على يد القوى الأمنية، مكافحة الشغب وشرطة المجلس، كما الجيش اللبناني.

يروي أنطوني ما حصل معه تلك الليلة التي أُصيب خلالها إصابة بليغة، والكلمات تخرج من فمه بصعوبة، بعد أن خسر أسنانه وشُقّت شفته العلوية وانكسرت عظام فكه.

قصته لا تفرق عن قصص الكثير من المنتفضين على الحكم المهترئ في لبنان، فالثورة في لبنان شهدت عدة ليالي عنيفة، أضاءت سماء بيروت بالمفرقعات والرصاص والمسيل للدموع، فيوم 18 تشرين الأول، استخدمت القوى الأمنية العنف المفرط مع متظاهرين سلميين كان بينهم أطفال ونساء، كما تم اعتقال عدد كبير من المنتفضين بحجة إثارة الشغب والإعتداء على الأملاك العامة والخاصة.

الأمر الذي لم يختلف عن ليل 14 – 15 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019 حيث ألقت القوى الأمنية عدد هائل من المسيل للدموع ورشت المتظاهرين بالمياه، كما انتهكت شرطة المجلس كل المواثيق الدولية لحماية المتظاهرين السلميين، إذ اعتدت على الموجودين بعنف وترهيب.

وفي ليلة 18 كانون الثاني / يناير 2020، شهدت ساحة النجمة واحدة من أسوأ المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين بعد أن حاولوا الدخول للمجلس النيابي كخطوة رمزية لاستعادة مجلس الشعب.

باختصار، أنطوني واحد من الشباب الذين تم الإعتداء عليهم خلال أشهر من الثورة ضد الفساد والظلم والإستهتار بدءاً من وضع ضريبة على الواتساب، وصولاً الى غياب الخدمات، مروراً بانفجار مادة نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وتسببه في ما عُرف ببيروتشيما.

ويقول الشاب العشريني للقناة 23 أنه نزل يوم السبت لتعليق مشانق رجال السلطة الذين يتحملون مسؤولية هدر دماء المئات، صرخ، ندّد بفساد السلطة، استنكر الجريمة الشنعاء التي أبادت قلب الوطن.. وفجأة، إنهمرت عليه وعلى كل الموجودين الغاضبين الرافضين للسلطة الحالية وابل من القنابل المسيلة للدموع، مُؤكّداً أنها من العيار الثقيل، فهو المتظاهر الثائر الذي لا يخرج من الساحات، اعتاد على استنشاق المسيل للدموع، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة، يبدو أن الدولة أرادت خنق المتظاهرين وقتل من بقي حياً بعد إنفجار المرفأ.

حاول أنطوني التخفي وراء شجرة، لكن أدرينالين الثورات منعه من العودة الى المنزل، فلازم مكانه ورفع صوت الحق بوجه الظلم، فقابله حرس المجلس، الشبيحة المتخفية بلباس ميثاقي، برصاص مطاطي، من مسافة قريبة، دون الإلتزام بالقوانين الدولية المتعلقة بمنع الشغب في المظاهرات بطرق حضارية وإنسانية.

أصابته الرصاصة في وجهه، كسرت أسنانه الأمامية، شطبت شفته العلوية حتى ظهر فكه، وحطمت فكه والعظمة الموجودة تحت عينه، ففقد وعيه ونقله أحد الشبان الى سيارة الإسعاف حيث تم نقله الى المستشفى.

لكن قبل الولوج في تفاصيل رحلته الإستشفائية، يجب تسليط الضوء على الإجرام الممنهج الذي لجأت إليه الدولة الخائفة من شعبها لتفريق المتظاهرين وإبعادهم عن المجلس النيابي ، فاستخدمت القوى الامنية الرصاص 12 دوبل، الخاص بصيد العصافير، نعم، لقد إقتنصتهم مثل اقتناص العصافير، ربما لوجود وجه شبه بينهما، فكلاهما يحب الحرية والحياة.
ويذكر أنطوني أنه قبل إصابته بالرصاص المطاطي، سمع دوي انفجار، وأكد أن القوى الامنية استخدمت قنابل جدار الصوت لترهيب المنتفضين وتفريقهم.

أما وزارة الصحة، فقد حاولت التكفير عن ذنب دولتها، وقبلت أن تُدخل أنطوني الجريح والمُضرّج بالدماء الى الطوارئ على حسابها، فقط لتضميد جراحه السطحية. أما الكسور والأسنان، فما زال جريج يتنقّل من مستشفى الى آخر ليرمم وجهه ويستعيد أسنانه ليبتسم ابتسامة النصر بوجه سلطة العار. ويقول أن العملية الخاصة بترميم فكيه وشفته تكلف أكثر من عشرين مليون ليرة، ستدفع شركة التأمين الخاصة به نصف المبلغ، أما أسنانه، فالتكلفة باهظة جداً وطريق العودة لحالته الطبيعية طويل ومتعب.

وعن الثأر، أوضح أنطوني للقناة 23 أن شقيقته المحامية سترفع دعوى قضائية ضد عناصر حرس المجلس، معتصمين بحبل القانون، لعل العائلة تأخذ حق ابنها.

وفي اتصال مع نقيب المحامين , اكد النقيب ملحم خلف للقناة 23 بانه قد تم البارحة رفع اربعة عشر دعوى قضائية موضوعها الاعتداءات والاضرار الجسدية التي لحقت بالمتظاهرين .

وبالرغم من كل الوجع، ما زال الشاب الثورجي متمسك بمبادئ الثورة، وعبّر عن رغبته بالنزول مجدداً الى الشارع لدحر الفاسدين، ومحاسبة المجرمين، وقال أنه لم ولن يخاف ممن يقتل الجسد، فالثورة فكرة والفكرة لا تموت.
فهل يعقل أن يموت الثائر خوفاً من رصاصة غدر ممن كان من المفترض أن يحميه من الأعداء؟

Ch23