
«قصة» بورصة الدولار بين السياسة والإقتصاد
لا تقف خلف تقلّبات سعر الصرف في السوق السوداء المعطياتُ الإقتصادية وقواعد العرض والطلب وحدها، بل تتفوق المعادلة السياسية في فرض إيقاعها على سعر الصرف في سوقه السوداء، بحيث يرتفع السعر كلما ارتفعت وتيرة التجاذبات السياسية حيث الحكام والطبقة السياسية مبدعون بجرعات التوتر، وينخفض عند أيّ إنفراج سياسي مما يدعو الى الاعتقاد الاكيد أن الدولار بالإضافة الى كونه مرتبط بالانهيار الاقتصادي جراء نهب أموال الدولة طيلة عشرات السنوات فيما الارتباط العضوي يكمن أيضا بالحالة السياسية التي تضغط على أسواق المال. وتعتبر مصادر على صلة وثيقة بالوضع الاقتصادي أنه يكفي إلقاء نظرةٌ على بورصة سعر الصرف تظهر كيف أنّه يتقلّب وفق التطورات السياسية بعد المبادرة الفرنسية وتكليف السفير مصطفى أديب تأليف الحكومة، هبط سعر الصرف واستقرّ في تلك الفترة بحدود 7000 كحدّ أقصى وعلى وقع تعثّر المبادرة واعتذار أديب عاد الدولار ليحلّق إلى حدود 9000 ليرة.
عشية تكليف الرئيس سعد الحريري ونتيجة التوقعات بخطاب تصعيدي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ارتفع سعر الصرف ليبلغ عتبة 7700 ليرة وعلى أثر خلو كلمة عون من إرجاء جديد للإستشارات هبط إلى ما يقارب 7400 ليرة بغضون ساعتين فقط وبعد مرور لحظات على تكليف الحريري سجّل السعر انخفاضاً تراوح بين 7050 و7150 ليرة ثم عاد وانخفض مئتي ليرة ليتحول ويلامس يوم امس 6300 ليرة مع الحديث عن مهلة زمنية قصيرة لتأليف الحكومة. لكن وفق هذه المصادر يبدو في المقابل أن الدولار مفقود في السوق وعند الصيارفة مما يطرح علامة إستفهام كبيرة ومخيفة حول إمكانية صعوده في القريب العاجل وربطا بالتطورات السياسية وفي نفس الوقت تراكض فئة من الناس نحو بيع مدخراتهم من العملة الصعبة ليتبين مدى اللعبة الخبيثة في جني الارباح جراء خوف الناس من الانخفاض السريع للدولار فيما حقيقة الامر أن الواقع لا يبشر بالخير وربطا تبدو أسعار السلع ما زالت على دولار العشرة اّلاف!!
لكن هذه المصادر ترى أن تسمية الحريري وحدها لن تجعل الدولار ينخفض، بل أنّ هامش التفاعل والهبوط منوط بسرعة التأليف وثقة البرلمان، وقبلها مندرجات البيان الوزاري فكلما كان التأليف سريعًا كلما انخفض سعر الصرف ومنوط أيضًا بمرحلة ما بعد التأليف وبالأداء الحكومي لناحية هوية الوزراء. هل فعلا هم تكنوقراط وأخصائيين؟ خصوصًا بظل تجربة حكومة دياب التي ضمّت وزراء غير حزبيين لكنّهم ساروا بالأجندات السياسية ففشلت الحكومة. إنما مهما بلغت الايجابيات لن يهبط الدولار تحت سقف 6000 أو 5500 ليرة بأحسن الأحوال بمعنى أنّه فيما لو تمكّن الحريري من التأليف وبدأ المسار التفاوضي مع صندوق النقد لن يتخطى هبوط الدولار عتبة 5500 ليثبت عند هذا السعر.
فإلى جانب السياسة هناك عوامل تتحكّم بسعر الصرف كالكتلة النقدية بالليرة والتضخم الهائل مع طبع 24 ألف مليار ليرة والمخاطر السيادية للدولة والدين العام خصوصًا بظلّ إيقاف دفع سندات اليوروبوند منذ آذار الماضي، وكلّها مؤشرات سلبية ناهيك عن الممارسات الشاذة والمربكة للمصارف ومصرف لبنان، كل هذا الامر وعدم إمكانية تثبيت سعر صرف الدولار عند حد معين يعني في المقام الاول فقدان الثقة بالعملة الوطنية والطبقة السياسية، لهذا يلجأ الناس الى تحويل أموالهم المحجوزة في الاساس الى الدولار كصمام أمان ليحافظ على قيمة أمواله كما أنّ الاقتصاد اللبناني بكامله «مدولر» لناحية الميزان التجاري وميزان المدفوعات، بسبب عدم بناء اقتصاد منتج والتركيز على الإقتصاد الريعي، والنتيجة أن الدولة تستورد ما نسبته 80% من حاجياتها وبطبيعة الحال الدفع بالدولار لاستيرادها».
المصدر/ عيسى بوعيسى – الديار