مهاجرٌ طرابلسي غير شرعي مَرميٌ على شاطئ اليونان: دفعتُ ٦٠٠٠ دولار لمافيا المركب لأهرب من دولتنا الفاشلة
/رائد الخطيب – رئيس تحرير الرائد نيوز/
“كان من المفترض أن يصل المركب الى إيطاليا، ومن هناك إلى ألمانيا، بقينا ثلاثة ايام في المياه وكان معهم جهاز GPS، ولكن الموقع كان خاطئًا وكانت هنالك منطقة تسمى مقبرة السفن، لكننا لم نستطع دخولها بسبب الموج أي أننا كنا في محيط ليبيا ومصر وتركيا”.
بهذه الكلمات، استطعت التخاطبَ عبرَ الهاتفِ مع شابٍ من طرابلس، استطاع المغامرة والهجرة من سواحل الموت في الميناء، والانتقال إلى ضفةٍ متوسطية أخرى، الساحلِ اليوناني، الأراضي الإغريقية ومنها إلى المجهول، إنها أرض الشاعر العظيم هوميروس، الذي قال ذات يوم “ليس ثمّة شيءٌ أغلى من الوطن”، ولكن ماذا لو عرفَ هوميروس، أنّ رضوان لا يملك قوتَ يومهِ في وطنه، لقد باع سلاحه الذي كان ثروته الوحيدة ب٢٠٠٠ دولار، ليواجهَ مجرداً معركةَ الحياة أو الموت، فوق المسطحات المائية التي لا تنتهي، ٢٠٠٠ دولار دفعة قدمها رضوان لمافيات التهريب غير الشرعي، عصابات الاتجار بالبشر، المتوجب على رضوان ٦٠٠٠ دولار، أي ما يعادل بأسعار الصرف ما بين ١٩٠ إلى ٢٠٠ مليون ليرة، ولكن رضوان أخبرني أنه لن يدفع ال٤٠٠٠ دولار المتبقية رغم التعهدات التي انعقدت مع المافيا!!!
في ٢٣ نيسان الماضي، غرق زورق على متنه ٦٠ شخصاً قبالة شاطئ طرابلس، وإلى الآن ما تزال أجساد الضحايا على عمق ٢٥٠٠ متر، والحديث عن غواصة هندية ستنتشل الضحايا، باتَ دعابة سخيفة ومؤلمة، يقول صديق: حين تصل الغواصة لن تجد الضحايا بكل تأكيد، ماذا سينتشلون؟!، ضرب سياسي جديد ألا تعتقد ذلك؟!.
“لم أكن أعلم أن هناك زورقًا غارقًا في الميناء، نحن انطلقنا ب ٤ آب الجاري أي يوم ذكرى انفجار مرفأ بيروت”، يقول رضوان.
أي أقل من ٤ أشهر، تفصل بين الزورق الأخير وزورق الموت، وعلى الرغم من الحراسة المشددة للجيش اللبناني على الشواطئ، إلا أنّ المافيا أقوى في الإفلات من تلك الحراسة، وبالطبع هذا ليس الزورق غير الشرعي الأول بعد زورق الموت، فالزوارق “شغّالة” على الشواطئ المتوسطية، خصوصاً في ليالي الصيف المناسبة للبحث عن الأمل، على أيّة ضفةٍ أخرى من هذا العالم، في لبنان الفقر والموت باتا جزءاً من التوقعات اليومية.
“دفعنا ٢٠٠٠ دولار عن كل شخص، وعندما نصل سندفع ٤٠٠٠ الاف دولار، وتم دفع النقود على الزورق”.
يشير رضوان إلى أنّ المركب انطلق سريعاً من شواطئ الميناء وعلى متنه ١٢٢ شخصاً يرافقهم ٢٠ طفلاً “لقد انتبه الجيش وقام بملاحقتنا بزورق صغير على متنه شخصان، كانا يصوران فيديو، وبعد خمس دقائق أطفؤوا “البروجكتر” وعادوا أدراجهم، لقد أفلتنا”.
٧٣٢٠٠٠ دولار هو المبلغ الذي ستتقاضاه المافيا المكونة من “ثمانية سماسرة، بعضهم من مخيم البارد، وببنين، وسوريا”، أي أنّ المافيا متعددة الجنسيات، لبنانيون، فلسطينيون وسوريون، ولكن اللافت هو أنّ “الرحلة أساسها من لبنان على الرغم من أن المركب من سوريا. المركب الذي صعدنا على متنه ليس هو الذي قيل لنا عنه، لأنه تم تبديله في سوريا وصعدنا لمركب آخر قديم غير صالح، قاموا بطلائه ليبدو جديداً، كانت رحلتنا في الليل، وعند الصباح تبينت لنا تشققات المركب، وكيف أن الخشب متشقق وقد قاموا بدقّ ألواح خشبية فوقه”.
“كان من المفترض أن يكون على متن المركب ٤٠ شخصًا، فجأة وصل العدد إلى ١٢٢ راكباً: نسوة ورجال وأطفال، وعدونا أن يكون المركب مكونًا من طابقين أحدهما مخصصٌ للنساء والآخر للرجال، تمّ امتاعنا بالوصف الخيالي للمركب، لكن ذلك كله كذب”.
يكثر رضوان في حديثه من كلمة “كان من المفترض”، لكن الوعد شيء والواقع شيءٌ آخر، عندما تستلم المافيا المبلغ، يصبح كل شيء أشبه بقصرٍ تحول إلى ركام نتيجة عاصفة من الكذب، فهؤلاء أفراد المافيا ليس لديهم أي مرجع، لتقديم شكوى اليه، وكذلك المهاجرون غير الشرعيون يحتكمون إلى حُلُمٍ، بمجرد اليقظة ستبدو الحقيقة مختلفة تماماً.
“كان من المفترض أن يصل المركب لإيطاليا، ومن هناك إلى ألمانيا، بقينا ثلاثة أيام في المياه، وكان معهم جهاز GPS، ولكن الموقع كان خاطئًا وكانت هنالك منطقة تسمى مقبرة السفن، لكننا لم نستطع دخولها بسبب الموج أي أننا كنا في محيط ليبيا ومصر وتركيا”، “عندما وصلنا شواطئ اليونان كان عدد اللبنانيين ١٠ أشخاص، ٧ منهم اخذتهم الشرطة بتهمة التهريب وبقي ٣، كان من بيننا أناس من فنيدق وببنين، وكان معنا أناس متهمونَ بجرائم قتل، ليس الجميع فقراء على ظهر المركب، بل هناك فارونَ من وجهِ العدالة”.
الآن يروي رضوان، مأساة المهاجرين في المجمع السكني بجزيرة “كوس” اليونانية، حيث الشرطة اليونانية تشرفُ على قدرهم المجهول “في لبنان، لا ماء ولا خبز ولا كهرباء لماذا نحن مضطرون للبقاء فيه؟! مضى العمر ونحن نقول أن الوضع سيتحسن”. “الآن يقدمون لنا في كوس، وجبتي طعام في اليوم، وكلما أردنا غسيل ملابسنا نلتفّ بالمنشفة وننتظر ثيابنا لتجف، سنبقى هنا لن نعود مهما كان الوضع، معنا ١٥ امرأة، و٢٠ طفلًا، والكبار ١٢٢”.
“والله العظيم، استدنّا “المصاري” لنطلع، وخاطرنا بحياتنا لنخلص من هذه الدولة االفاشله ونرتاح من فقرنا”، يسدِل رضوان الستارة على مأساته، التي قد تنتظرها مأساةٌ أخرى، أو انفراج، أليس الصبح بقريب؟!