السيروبية …تاريخ من العيش المشترك

السيروبية …تاريخ من العيش المشترك

- ‎فيأخبار صيداوية

السيروبية …

تاريخ من العيش المشترك
كان الشاب الطموح سيروب منذ صغره في مدرسة الانجيلية يتفرج على الجبل الحبيب من ساحة المدرسة و يحلم بأن يسكن فيه و ان تنقل عائلته من منزلهم في حارة اليهود الضيقة إلى الجبل حيث الهواء الطلق … بعد
تخرجه من ثانوية الانجيلية توظف في TRANS ARABIAN COMPANY PIPELINE اي TAPILINE .و في
١٦ آذار ١٩٥٦ ربح الشاب العشريني الياناصيب الايرلندي IRELAND SWEEPSTAKE, مبلغ 10,000 جنيه استيرليني. ترافق هذا التاريخ مع حدثين مهمين على مستوى الوطن اولا ضرب زلزال كبير لبنان و ثانيا تمت اضاءة شارع رياض الصلح من الاملة للبوابة الفوقا حيث اقيمت
افتتاحية. تحولت الاموال من ايرلندا الى مصرف عودة. مباشرة اشترى
مساحة ٤٠ دنم تقريبا و اشترى المعدات و فتح الطرقات و توسع بشراء الأراضي حيث اصبحت المساحة الإجمالية للمشروع ٢٠٠ دنم لاحقا. انتقل سكن العائلة من بعدها الى حي البعاصيري بانتظار عمار منزل العائلة
الجديد اولى البيوت في السيروبية.
كان الهدف الاساسي هو افراز الارض إلى مساحات صغيرة 500 م٢ تناسب اهل صيدا. و بالاخص اهل صيدا القديمة حيث يتمكن كل صيداوي من شراء ارض و عمار منزل صغير عليها و يتحرر من ضغط المدينة. سنة 1959 تعمر اول بيت .و لكن كلفة شراء الارض و بناء المنزل كانت اكثر من قدرة الاهالي. فقرر سيروب ان يعمر الابنية ويبيع الشقق السكنية الصغيرة لتناسب الميزانيات المحدودة ضمن نظام تقسيط مريح لمدة ١٠ سنوات. كانت الدفعة اولى حد ادنى 1000 ليرة و الباقي 50 ليرة شهريا . كان هذا النظام اي التقسيط الطويل الأمد قد سبق مشاريع الاسكان للدولة
اللبنانية و كان الأول من نوعه انذاك في الستينات.و اصبح بمقدور كل لبناني تملك منزل بالتقسيط المريح .و لكن بقيت مشكلة التنقلات عائقا امام الاهالي فكانت فكرة ” بوسطة سيروب “. فاشترى باص ووضعه في خدمة الاهالي . و أيضا المبادرة الفردية لحل اي أزمة كانت اسرع من بيروقراطية
الدولة اللبنانية…
كبرت المنطقة و طلب الاهالي قطعة أرض من سيروب لبناء جامع صغير ووافق على تقدمة 1000م٢ هبة إيمانا منه بأهمية المشروع لتثبيت الاهالي . طلب سيروب من اهالي السيروبية تأسيس لجنة بناء الجامع و يجمعوا ولو جزء صغير من الاموال اللازمة . بلغت الاموال 1500 ليرة بحيث يشكل هذا المبلغ الصغير حافز تتشجع منه الجهات المعنية بالمساعدات من المتمولين و الجمعيات الاهلية….طلب الاهالي من سيروب ان يكون رئيس لجنة بناء الجامع و بدأ سيروب بالاتصال بالمقتدرين في صيدا ولكن رغم كل الجهود لم يتم جمع اي مساعدات مادية تذكر حيث كانت الكلفة التقديرية
للجامع اكثر بكثير (حوالي 15,000 ليرة لبنانية ).
كان في هذه الفترة يتم الحديث عن المحسن الكويتي الكبير الشيخ عبدالله عبد اللطيف العثمان الذي كان يزور لبنان كل سنة بشهر ايار . طلب سيروب موعد من الشيخ و جمع وفد من الاهالي و ذهب للقاء الشيخ في دارته الكبيرة في بحمدون نهار الجمعة بعد الصلاة . كانت دارة الشيخ تعج بالمؤمنين كل من منطقة في لبنان يطلبون المساعدات لشتى المشاريع الإسلامية .اندهش الشيخ من مطلب سيروب المساعدة لبناء الجامع كونه
مسيحي يطلب مساعدة لبناء جامع للمسلمين. فقرر الشيخ هذا اليوم الاعتذار من جميع الحاضرين و التركيز مع مطلب سيروب . كان الحجم الاولي للجامع صغيرا على قدر الأموال المتوفرة فاعترض الشيخ على حجم الجامع كونه صغير و طلب من سيروب لقاء المهندسين
لتعديل حجم الجامع. و ذهب سيروب مع المهندسين إلى بحمدون للاجتماع مع الشيخ .و قد سأل الشيخ اذا كان يوجد امكانية تقدمة مساحة ارض اكبر من1000 م٢ فوافق سيروب و قدم ارض مساحة 4000 م2 و قام بتعديل كل خرائط الافراز لمواكبة الحجم الكبير للجامع و ربط كل طرقات السيروبيه عليه. اندهش الشيخ عبد الله و احتار عندما وافق سيروب على الهبة…و نقلا عن الشيخ رحمه الله” انا اقتدي بك، كيف بنصراني ان يطلب مساعدة مالية لبناء جامع و ان يقدم4000 م٢ ارض لبناء الجامع و يعطيني انا كمسلم درس في العطاء …” و كان جواب سيروب ان هذا بيت الله و ليس فقط جامع للمسلمين. و بالفعل وافق الشيخ عبدالله على تمويل بناء
الجامع كاملا بعد تعديل الخرائط و تكبير حجم الجامع.قام المرحوم الشيخ عبدالله بزيارة الى السيروبية لمعاينة موقع الارض فكان في استقباله سيروب في اوتيل طانيوس على مدخل صيدا و واكبوه الى الارض و تم تعيين
الموقع الدقيق للجامع .
بالفعل تم ابتداء بناء الجامع و لكن لسوء الحظ توفى الشيخ عبدالله قبل الانتهاء من البناء. فقام سيروب بالاجتماع بابنه الكبير سليمان و ببقية الاولاد و كانت نيتهم بالبداية بان لا يكملوا تمويل البناء . و لكن اقنعهم سيروب بوجوب الاستكمال كونها كانت رغبة شديدة لدى الشيخ عبدالله ان يرى
الجامع منتهيا وكان لا بد ان يستكمل الاولاد ما بدء به والدهم…
و لا بد للتاريخ ان نذكر ايضا تمويل الشيخ عبد الله إنهاء بناء جامع شمعون الغير منجز جنب المحكمة السنية .قديما قام شخص مغترب بتمويل بناء الجامع بقيمة 60,000 ليرة لبنانية و لم يكفي هذا المبلغ لانهاء البناء فاصبح الجامع مهملا…فقام وفد من اهالي صيدا بطلب من سيروب ان
يتوسط لدى الشيخ عبدالله لكي يمول استكمال بناء الجامع. قال سيروب للشيخ ” اترضى يا شيخ ان يكون جامع غير منجز و مهترئ على مدخل
مدينة صيدا”… فوافق الشيخ عبدالله على التمويل بعدما قام بزيارة للجامع و راى الحالة المرثية لها . و بالفعل انهى الشيخ عبدالله تمويل بناء جامع شمعون و لكن كانت قد وافته المنية قبل افتتاح الجامع.
بعد سنوات اتت الحرب الاهلية المشؤومة سنة 1975 .و كون ارض الجامع لا زالت باسم سيروب اتصل سيروب بالمفتي المرحوم شهيد لبنان الشيخ حسن خالد رحمه الله للقائه حيث عرض عليه أن يتم تنازل ملكية ارض الجامع من سيروب إلى دار الاوقاف الإسلامية و ذلك لاراحة ضميره و عدم ترك اي مجال لأي حساسيات طائفية للمستقبل كون ارض الجامع على اسم شخص مسيحي…
مع السنين ازداد حجم سكان صيدا و صار لابد من أرض كبيرة لتجهيز مدافن جديدة .طلب المرحوم الشيخ أحمد الزين صديق العمر ارض من سيروب لبناء مدافن جديدة لاهل صيدا. و وافق سيروب على بيع الارض اي حوالي ٦٠ دنم للاوقاف الإسلامية بسعر زهيد اي بسعر الكلفة ما قبل الافراز مع العلم ان هذه الارض كان قد خصصها سيروب لبناء مجمعات
سكنية اضافية كونها ارض انحدراها خفيف جدا و مناسبة للعمار. نقلا عن سيروب “صحيح كانت الخسارة مادية ببيع الارض بسعر زهيد و لكن الربح الاكبر ببناء مدينة كاملة و بيت الله و المدافن و كل هذا برضى الله” …
بقلم المهندس سيروب سامو كيزيريان.

المصدر: موقع صيداويون