ينشغل اللبنانيون، في كل أزمة يمرون بها، بتأمين بدائل تعينهم على تمرير المراحل الحرجة، والعبور بأقل أضرار ممكنة الى مرحلة أخرى، باتوا يجمعون على انها قد لا تكون أفضل من سابقاتها.
الهم الاقتصادي يتقدم على سواه في لبنان في هذه الفترة، ذلك ان استقرار الاقتصاد ينعكس بدوره استقرارا على شؤون معيشية وخدماتية وتربوية للمواطنين والأسر.
وليس سرا ان الانهيار الاقتصادي يؤدي الى ارتفاع معدل الجريمة على اختلاف اسبابها، ذلك ان الاعتداءات يرتكز بعضها الى الضائقة المعيشية التي تنشط معها اعمال رجال العصابات.
في كل ما شهده لبنان من احداث اعتبارا من احتجاجات 17 أكتوبر 2019 غير المسبوقة في تاريخ البلاد، الى الأزمة النقدية الناجمة عن حجز المصارف اموال المودعين وقصر تسديدها بالعملة الوطنية، وغياب الدولارات النقدية من الاسواق المالية وحصر توافرها في السوق السوداء، وصولا الى تداعيات انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، وتلويح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بوقف دعم السلع الاساسية من محروقات وادوية وطحين ومواد غذائية في نهاية السنة كحد أقصى، كل ذلك رفع وتيرة الضغوط على المواطنين اللبنانيين، ودفعهم الى إجراءات ذاتية لحماية مدخراتهم وما تيسر لهم من الوصول الى ودائعهم، وصولا الى ضمان تأمين قوتهم وادويتهم.
نتحدث هنا عن طبقة كانت تعرف سابقا بالطبقة المتوسطة، وباتت تميل نزولا نحو الطبقة الفقيرة، ويصارع افرادها لتفادي الانهيار العمودي، والصمود اكثر علهم يستطيعون تجاوز المرحلة الاكثر حرجا في تاريخ البلاد.
ويجمع كثيرون من اللبنانيين على ان مدخراتهم النقدية المتوافرة بين ايديهم هي كل ما يملكونه، فضلا عن سندات عقارية تعتبر ضمانة ذات قيمة يستطيعون التصرف بها لاحقا في حال اشتداد الأزمة وتفاقمها أكثر.
نقطة تقاطع بين الاوراق النقدية وصكوك العقارات، هي المعدن النفيس او الذهب، الذي يشهد إقبالا من ذوي الدخل المرتفع حاليا على اقتنائه لأسباب عدة.
في هذا الاطار، يتحدث فادي عبود أحد الشركاء العائليين في متجر للمجوهرات ذائع الصيت خارج العاصمة بيروت، لـ«الأنباء» عن ركود في سوق الذهب بنسبة 90%، مشيرا الى غياب الطلب على المجوهرات بداعي الزينة، وإقبال الزبائن على شراء الاونصات من اوزان مختلفة والليرات الذهب المنقوش عليها رسم الملك جورج الخامس.
ويكشف الشاب الاربعيني، ان الناس يسعون من خلال شراء هذين النوعين من الذهب، الى حماية مدخراتهم بـ «اشياء لا تفقد قيمتها. والغالبية يريدون التخلص من العملة الوطنية، وتبديلها بالمعدن الاصفر القابل للتسييل في اي وقت واي مكان».
ويسهب في الشرح عن الارتفاع المتوقع لاسعار الذهب في نهاية السنة، ومعرفة الجميع بذلك. ويتراوح سعر اونصة الذهب حاليا من وزن 31 غراما من النوع السويسري في حدود 2040 دولارا بعد احتساب عمولة على كل اونصة، تضاف الى سعرها الرسمي في سوق التداول. في حين يبلغ سعر الليرة الانجليزية 450 دولارا، وهذا رقم منخفض في ايامنا هذه بعدما لامس عتبة الـ470 دولارا قبل ثلاثة اسابيع.
قلة من اللبنانيين يدفعون ثمن الذهب بأوراق نقدية من الدولارات الاميركية، للتخفيف من الكميات المخزنة في المنازل لأسباب عدة، بينها الخشية من السرقة او تعرض المنازل للحرائق. والبعض يلجأ الى توزيع مدخراته بين اوراق الدولار النقدية ومعادن الذهب التي لا تفقد قوتها الشرائية حتى لو انخفض سعرها في أسواق التداول.
هذا ما فعله المهندس ا.ص. المقيم في قضاء المتن الشمالي، وشجع عليه عددا من اقاربه واصدقائه، «لأن توضيب الذهب أفضل، وغير قابل للتلف كالاوراق النقدية جراء تعرضها للرطوبة او وصول الجرذان اليها وقضمها. ولعل الطريقة الامثل لحماية الاوراق النقدية من التلف، لفها بورق الومنيوم ثم بكيس نايلون وبعده بقماشة. اما افضل شروط التخزين فتبقى وضع الاوراق النقدية في مرطبان (علبة) زجاج وإحكام إقفاله».
البعض على قلته، لجأ الى شراء قطع ذهبية معروفة بـ«نصف كيلوغرام» ويتخطى سعرها الـ32 الف دولار. لكن هذه الفئة محصورة بمن اختار التخفيف من دولاراته النقدية، في حين ان الغالبية تهتم بالتخلص من الاوراق النقدية اللبنانية.
اعتاد اللبنانيون ترداد لازمة «تخبئة القرش الأبيض الى اليوم الأسود»، اي الى ايام الضائقة المادية. وغالبا ما كان لون القرش اصفر، نسبة الى الذهب الذي لا يخبو لمعانه في أشد الأيام سوادا في حياة اللبنانيين.
Ch23