أضيف طابور الانتظار على مراكز تعبئة الغاز الى طوابير الاذلال على محطات الوقود. فمع الحديث عن أزمة تلوح في الافق تهافت المواطنون وبشكل لافت على التزود بالغاز خشية فقدان المادة، كما حال المازوت، ونتيجة غياب الثقة بالمسؤولين وبوعودهم واقفال المراكز منذ ثلاثة أيام بسبب عطلة نهاية الاسبوع والسنة الهجرية الجديدة.
وانعكس مشهد القلق في صيدا ازدحاماً كثيفاً على مركز تعبئة الغاز “الموصللي” الكائن عند منطقة سينيق جنوبي المدينة، بعدما لم يتمكّن مركز “زهرة” المجاور له من فتح ابوابه بسبب عدم تسلمه اي كمية من المادة، لكن اللافت ان سعره بقي على حاله حتى الآن من دون اي زيادة نحو 60 الف ليرة لبنانية، كذلك كان لافتاً وقف البيع بالجملة وحصره بالمفرّق لاستيعاب الاقبال وتلبية احتياجات الناس، اقفال البوابات الرئيسية ومنع دخول السيارات بل سيراً على الاقدام حيث حمل المواطنون القوارير وسط طابور من انتظار دورهم.
وأوضح مسؤول في المركز لـ”نداء الوطن” ان “الصورة ضبابيـة في ما يتعلــق بكميات الغاز وسعــرها”، مشيراً الى ان “الاقبال سببـــه شح الكميــات اولاً، فالشركات منذ فترة طويلة لم تسلم كميات كافية بل قليلة ومحدودة، وثانياً الاتجاه اليوم هو لرفع السعر مجدداً”، متوقعاً ان “يتم تزويد المراكز في الايام المقبلة ولكن بسعر أغلى”.
وفيما حملت أم ماجد عنتر قارورة الغاز وشقّت طريقها نحو “خرطوم” التعبئة، ردّدت بغضب “لن نحرم اطفالنا من الطعام والشراب او نعود بهم الى القرون الوسطى باستخدام الموقد والحطب، قبل ان تضيف بتأفّف: “يكفي معاناتنا مع الكهرباء والمولدات وفقدان الادوية والغلاء وارتفاع الاسعار، بتنا نعيش في بلد الازمات اليومية التي لا تنتهي والحبل على الجرّار”. وقال ابو علي نسب: “لم نلتقط أنفاسنا بعد من أزمات المازوت والبنزين وفقدان الدواء حتى أطلّت ازمة الغاز برأسها مبشّرة بمعاناة اضافية، لقد هرعت الى المركز لتعبئة قارورتين لزوم حاجتي، قبل حصول أزمة جديدة لانني بكل صراحة لم أعد اصدّق اي مسؤول، لقد شبعنا كذباً وذقنا ويل الطوابير وعذاب الفقر والجوع”.
الى جانب ازمة الغاز، فإن اقفال بعض اقسام المستشفيات ونقل مرضى او السماح بادخال “المراوح” الى أخرى بعد اطفاء المكيفات توفيراً للطاقة، والنوم على الشرفات واسطح المنازل وحتى في العراء، واضاءة الشموع والمصابيح القديمة، مشاهد لم تعد غريبة او من نسج الخيال، بل اصبحت حقيقة واقعة في القرن الحادي والعشرين في لبنان بعدما تفاقمت ازمة المازوت وبلغت ذروتها مع الانقطاع شبه التام بالتيار الكهربائي، واطفاء المولدات الخاصة (الاشتراكات) بانتظار تسلم اصحابها دفعات جديدة للتشغيل مجدداً.
وبدا ليل صيدا حزيناً تسوده العتمة شبه الشاملة بعدما اضطر عدد كبير من اصحاب المولدات الى اطفائها بسبب نفاد المازوت من جهة، والغضب الشعبي الذي ترجم بتحركات احتجاجية واقفال طرقات من جهة أخرى، امتدت من ساحة النجمة، الى مستديرة مكسر العبد مروراً بالشرحبيل والقياعة وعبرا وصولاً الى الفيلات والهلالية وسواها، وقد عبّرت ثلاث فتيات صغيرات عن مطالب الناس الموحدة في لافتات كتب عليها “عم نتشوى، عم نتقلى والمسؤولين عم تتسلى”.
وارتفعت في المدينة للمرة الاولى اصوات عالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبين بعض الناشطين تدعو الى اقفالها بالكامل وقطع الطرقات عند مداخلها بما يشبه العصيان المدني، على قاعدة ان الدولة مسؤولة عن تأمين التيار الكهربائي وزيادة حصة المدينة التي تبلغ نحو 4 ساعات في اليوم فقط، والتوزيع بالتساوي بين المناطق من دون تمييز، على ان يقوم اصحاب المولدات بسد الفراغ بعد تأمين المازوت لهم، لانه في حال بقي التيار منقطعاً فان اي كميات لن تكفي السوق مع التعطش للمادة واستهلاكها بشكل جنوني.
وعلمت “نداء الوطن” ان اجتماعات متلاحقة عقدت في بلدية صيدا برعاية رئيسها المهندس محمد السعودي ومواكبة النائبين بهية الحريري واسامة سعد و”الجماعة الاسلامية” وباقي القوى الصيداوية من مؤسسات المجتمع المدني واصحاب المولدات والمستشفيات والافران وممثلين عن المراكز الغذائية، من اجل البحث عن حلول سريعة تمنع شلّ الحياة في المدينة التي تواجه صعوبات وتحدّيات غير مسبوقة.
وتوازياً مع أزمة الغاز، بدأت تلوح في الافق أزمة خبز في بعض الافران بعد عزم المطاحن على التوقف عن العمل نتيجة النقص الحاد في كميات المازوت، واعلان عدد منها ان المخزون لا يكفي سوى ليومين بأفضل حال، واذا لم يتم تسليم كميات جديدة ستتوقف عن الانتاج خارجاً عن الارادة. ووصف حسن عوجي الوضع بأنه “سيّئ للغاية، وثمة انحدار في كل المرافق الحياتية والخدماتية المعيشية الواحدة تلو الاخرى”، مضيفاً: “ما يجري مقصود من اجل اشغالنا في ازمات جديدة وحرف الانتباه والاهتمام عن اصل البلاء، الفساد والسمسرات وادارة البلاد الفاشلة، نريد حلولاً جذرية تنقذ البلد من الافلاس والهاوية قبل الانفجار الاجتماعي الكبير الذي لا مناص منه.. ولات ساعة مندم”.
وسبق ذلك، قيام عدد من المحال في أسواق صيدا التجارية اضافة الى مراكز التغذية الكبيرة بالاقفال للسبب ذاته. وخشية تلف البضائع مع وقف المولدات الخاصة عمد بعضها الى اعلان تنزيلات كبيرة قبل الاقفال بيومين لبيع مخزونها والتوقف عن العمل حتى اشعار آخر، فيما تواصلت طوابير الانتظار لساعات على محطات الوقود للتزود بالبنزين بعد انفراج موقّت الاسبوع المنصرم لم يدم أكثر من يومين.
المصدر| محمد دهشة نداء الوطن|